فتح الله حسيني المهدور كدم
التاريخ: الخميس 14 شباط 2008
الموضوع: القسم الثقافي



جان دوست/ ألمانيا

في مجموعته الشعرية الجديدة مهدور كدم , يحمل الشاعر فتح الله حسيني دم قلبه على كفه. يصنع منه محبرة و يغمس فيه خياله المتكئ على الوجع و الحب ليبدع في النهاية قصائد جميلة تنتمي إلى فضاء الحداثة الشعرية و تستند على الموروث الثقافي و الشعبي الذي يتضح من خلال قاموسه المتنوع.
بداية لا بد لي من القول أنني لا أحبذ أن يبدع الكردي بلغة غير لغته و قد كنت و ما أزال أعارض إبداع الكردي بلغات أخرى إلا في حال الاضطرار (مثل حالة سليم بركات مثلاً فهو لا يعرف الكردية, و العربية هي لغته و لغة مشاعره و أحاسيسه و احلامه و هي على حد قوله وطنه بالرغم من أنني أرى العربية منفاه الاضطراري). أما الجيل التسعيني و منهم الصديق فتح اللهحسيني فإنني اتمنى عليهم أن يعودوا للكردية و يبدعوا بها ما دام لهم فيها صولات و جولات و بصمات من الإبداع لا تقل عن إبداعهم بالعربية.


و لكن مهما يكن من الأمر فإنني سأتوقف عند إبداع فتح الله حسيني و هو المنفي عن بلده منذ سنوات و المنفي عن لغته أيضاً. و سأتوقف عند أربع قصائد مختارة من مجموعته الجديدة الجميلة و التي صدرت عن مؤسسة سما للثقافة و الفنون عام 2007 .
القصيدة الأولى بعنوان (زمن مر، زمن ما له آخر)
يهدي الشاعر قصيدته هذه إلى أنثاه المجهولة، أنثى ما على هذه الأرض و يقدم لقصيدته بحكمة ينسبها إلى نفسه قائلاً: لا تحملوا الشعر على محمل الوجع!! و من يعرف فتح الله عن قرب سيتضح لديه معنى هذه الحكمة الشعرية,، فالشاعر فتح الله كما أعرفه مرح بطبعه متفائل لا يهتم بالوجع بل ربما استخرج من أعماق الوجع ما يضحك و نهل من ينابيع الألم كؤوس اللذة.
في هذه القصيدة يتلاشى الوطن في صورة امرأة هي حبيبة الشاعر، و تتلاشى الحبيبة في صورة وطن بعيد/ له مشيئة الإله (حسب قول الشاعر). هذا الوطن يستطيع ترتيب قدر جديد للشاعر الحائر في أروقة الغربة كما تستطيع امرأة أن تخلق من الانسان شاعراً و من هنا تتماهى الحبيبة و الوطن أي في خاصية الخلق و الابتكار و يخاطب الشاعر امرأته ليفاجئنا بانتقاله إلى مخاطبة الوطن دون أن يمهد لذلك فيجيء أسلوبه صاعقاً، مدهشاً، مليئاً بجرعات الخيبة الممزوجة بالأمل. الأمل في زمن غافل عن التوقيت و عد الثواني.

القصيدة الثانية بعنوان (لأني حجر، عليَّ أنْ أتكسرَ)
في هذه المرة يكون الإهداء إلى أنثى معلومة، بل إلى امرأتين سماهما الشاعر بالفاطمتين . يبدأ الشاعر هذه القصيدة الجميلة بحق، بشلال من الأحاسيس الشعرية المكثفة كالندى في فجر الأزاهير....بل أراه بدأ قصيدته من القمة دون، أن يحاول الهبوط إلى سفوح الكلمة مجاهداً أن يبقى في القمة حيث المدى الواسع فيقول:
هناك، على تخوم "حسن كيفي"، وحانات المدينة الكبرى
تلقيتُ نبأ صدأي
ومكثت، أتأمل،
كيف سأعبر هذا الشجن إلى متاهة أخرى ؟.

يبدو الشاعر هنا واقفاً على أطلال مدينة حسن كيف (حصن كيفا) التاريخية مستذكراً تاريخ الكرد و خيباتهم المزمنة منذ عهد الإسلام الأول مروراً بدولة باد بن دوستك وصولاً إلى إهمال المدينة التاريخية من قبل الترك الغاصبين. لذلك لم يجد الشاعر افضل من هذه البلدة ليتلقى على تخومها نبأ صدئه في إشارة إلى انهياراته الداخلية و خيباته و انكساراته بعد بريق الأمل. و في حكمة عميقة يقول الشاعر إنه تلقى نبأ الصدأ و هو على تخوم حسن كيف, أي أنه كان غافلاً عما يحدث له من تآكل و نخر داخلي و لم يشعر بذلك إلا عندما التقى وجها لوجه مع هذه المدينة التي تتآكل بدورها و يعلو الصدأ جوانب تاريخها اللامع.
يشير الشاعر بعد ذلك إلى العلاقة الدامية التي صبغت التاريخ المشترك الدامي بين الكرد و الترك, هذا التاريخ الذي لم يكن يعني سوى محاولة الدخيل طرد الأصيل عن دياره و اقتلاعه من جذوره فيقول:

مذ تاه الله بين أسماء ملائكته
وخطايا عباده المتورطين مع الحياة الممنوحة
كان لقاء الكرد على عتبات الترك


و للحقيقة فإن الترك قد وقفوا منذ أن وطئت اقدامهم هذه الأرض في وجه طموحات الشعب الكردي و أجهضوا ثوراته و أعاقوا تقدمه, و هم الذي قضوا على الدولة المروانية الدوستكية التي كانت عاصمتها فارقين و كانت حسن كيف داخل حدودها كما قضوا على دول و إمارات كثيرة و خنقوا أبطال الثورات و ما زالوا يحاربون الكردي حتى أنهم باتوا يقصفون الشهداء في اضرحتهم.
في القصيدة المختارة الثالثة و التي جاءت بعنوان (في دربٍ غائصٍ في الغبار في دربٍ ماضٍ إلى عينيك) يخلط فتح الله حسيني السرد الروائي الشعري بالشعر الخالص بالومضة بالفكرة الحرة فياتي بنص جميل لا يمكن أن يقال عنه إلا أنه نص جميل يستعيد فيه الشاعر طفولته المرة الحلوة و ذكريات المراهقة و الشباب و الحب و الخيبة و الطيش الذي لا بد أن يلازم كل شاعر. يستعيد الشاعر كل ذلك عبر نص مكثف مليء بالرمز و الإشارة منحاز قليلاً إلى عالم التصوف:
ليس لي إلا البهاء
بهاء إمرأة من نور
من نار غير حارقة
والصوت على صداه ملكوت مميت..

هذا الشاعر الذي لا يملك من الدنيا شيئاً إلا بهاء امرأة هو على حد تعبير الصوفية من يملك كل شيء و بيده مفاتيح مملكة الحب يفتحها أمام من يشاء و يغلقها في وجه من يشاء. أليس هوالشاعر الذي طينته حزن و أوجاع!!

أنا الأبعد،
وأنتِ أكثر قرباً مما أعرفُ
ليس للأوطان من حُبٍ
وليس لبعثرتنا سوى الخرابُ والألمُ.
.
إنه الشاعر فتح الله الذي كانت تناديه أمه:
فتحو
أو فتحووووو...
هكذا كانت تنادي أمي
وتبكي أمام حزني حتى تنام الآلهة ولاتنام أوجاعها...
كان لي أصدقاء نسيتهم
وأنا أذبل بلا دراية من همي
.
القصيدة الرابعة ( مكيدة ، لله درّ الشمال والشمال آية لم يتلوها إله) و التي جاءت من حيث العنوان منتمية إلى مدرسة سليم بركات التي جلس الكثيرون من المبدعين الكرد بالعربية على مقاعدها لسنوات طويلة و لم ينج أحد منهم من تأثير سليم بركات و ثقله الذي لا يمكن تحمله. هذه القصيدة يمكن القول عنها أنها قصيدة تدافع عن الشعر في زمن الزعيق و تدافع عن الجمال في مناخ يلونه القبح الداخلي و الخارجي تدافع عن جلال الروح و خفتها و عن الخير في زمن شرير:
ويترنح الشاعر على هوى حزنه
والحزن، حزن تغنى به صخب الزمان الذي قال عن أغلفة كتبنا
" هم أبناء الخديعة الفجة " .
لم يكُ من ثناء إلا فتاة تأخذ بيدي القصيدة الى مكيدتها
وبعثرة المكان، بعثرة للروح الماضية الى صبرها
قبرها ..
هذه الق
صيدة الجميلة التي تشبه كاتبها إلى حد بعيد تعيد الإنسان إلى ألق الشعر و رونقه المفقود و تدفعه للتفاؤل بل و لمحاسبة شاعر لا يكتب قصيدة مزلزلة:
كانت الشوارع تبتسم لمجئ الشعراء، أيام كان التاريخ يوبخ ذاته إزاء خرائط نحن نرسمها نقاط علامها بلا حنين، تكاد الأنثيات يبكين على ما مضى من صبر بلا بصيرة، وهاكم أيها الشعراء المجانين ، اللاتوابين ، اللالائقين بخراب المكان ، تواريخ أمضوها الى ألق تعرفونه، والله سيوبخ من بعدكم مَن يكتب خيوط القصيدة التي لا تشبه القنابل .
في هذا السرد الشعري الذي استشهدنا به آنفاً يزعم الشاعر فتح الله الحسيني أن ربه سيحاسب الشعراء الذين يكتبون قصائد لا تشبه القنابل!! و نحن مضطرون لتصديقه لأن الشعراء محاسبون على ما يكتبون سواء كان ما يكتبونه قنابل أو حفيف سنابل!! .







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1362