فصل في رواية لم تكتمل
التاريخ: الثلاثاء 15 كانون الثاني 2008
الموضوع: القسم الثقافي



مرشد اليوسف
بنختي و سرختي , وجهان لوطن يفيض بالذهب الأسود و القطن الأبيض و القمح الأشقر وتجري من تحته الأنهار , وطن يعيش بين الهاجس والحلم ويتصدى للزمن بكبرياء. وشعب صبور يعيش كفاف يومه, نهاره ليل وليله سواد, تطحنه الأسنان لكنه عصي على الابتلاع, له ألف روح وروح, يصبح ويمسي على الانكسارات والقسوة والأمل, ويتلقى الصدمات دون أن ينحني, وبين القسوة والأمل مسافة حبلى بأحلام الحرية.


خورشيد شاب في الثلاثين, أسمر اللون , طويل القامة, ترك قريته المتواضعة في ريف عامودة, و انتقل الى مدينة الحسكة التي أصبحت في الستينات و السبعينات والثمانينات مقصد ابناء الريف وطالبي العمل, وأصبحت مدينة ملونة يقطنها السريان والعرب والأكراد والأرمن ,وتناثرت حولها مجموعة من الأحياء القديمة والجديدة, حي غويران ويسكنه الديرية وعرب الجنوب , وحي العزيزية ويسكنه الأكراد والغربتلية من أبناء المحافظات الأخرى, وحي تل حجر والمفتي وخطو ويسكنه الأكراد, وحي الناصرة ويسكنه السريان والأرمن, وحي النشوة ويسكنه عرب الجبل, والحقيقة ان هذا التقسيم لم يكن مقصودا في البداية.
خورشيد خريج علم النفس يتنفس الفلسفة ولكنه يحافظ على مسافة بينه وبينها في تجسيده للواقع , و يكشف في تصويره الواقعي للأشياء وفي حسيته ما يمكن أن يسمى بالرومانسية الجديدة, و يمثل زمنه في سلوكه حتى يستطيع تصنيف نفسه, و يبذل جهدا لايجاد شيئ من الانسجام بين ايقاعه الداخلي المحافظ وبين مشهد العالم الهائج من حوله, الدرامي أحيانا والبشع أحيانا أخرى, و يشعر في لحظات معينة أن العالم من حوله يتحول الى حجر يتوقف تسارعه على الناس والأمكنة.
في حي تل حجر المحطة الأكثر رتابة في حياته كان يشعر بالغربة أحيانا والملل والضجر أحيانا  أخرى, وبين الملل والضجر كان يتشظى بين صقيع الجسد وهذيان الفكر وتهدجات الروح  , بيد أن ذلك كله لم يكن سوى أوجاع السنين, وكثيرا ما كان يهرب الى الأمام , أو يشغل وقته بصيد الأسماك من نهر الخابور والجغجغ, و يأتي في نهاية النهار حاملا صيدا متواضعا من أسماك القشري الفضي وأسماك الحنكليش, ويجلس في المساء الى زميل الدراسة أوصمان يتناولان السمك المشوي ويتحدثان عن السنارة  والشبكة و الصيد, والحظ العاثر, ويتبادلان الحديث حول السياسة والبطالة والاستبداد والتمييز العنصري, و يتابعان بشغف أخبار الأمارجيين وانتصاراتهم من وراء الحدود, ولكن كيف تعرفا؟
كان الجو حارا في ذلك الصيف الدمشقي , وكان من عادة أوصمان أن ينام عاريا, دخل خورشيد الى الغرفة وصرخ بأعلى صوته:
- اختشي!!استر جسمك, و احترم الغير!!!!!!؟
فز أوصمان عاريا مذعورا على صراخ خورشيد!.
 أنت...أنت  أقصدك أنت!!-
وأشار خورشيد بيده نحو أوصمان.
أدرك أوصمان أن الطالب الأسمر الطويل يقصده!!!!
 ما بك يا أخ...ماذا فعلت بك  حتى تشتمني وتفسد علي نومي؟ -
 قلة ذوق!!!!.وتناول خورشيد  الشرشف  ورماه على جسم أوصمان العاري, وجلس وغاب في الصمت!!!!-
أدرك أوصمان القصد وقهقه بصوت مرتفع:
- الزميل قروي, أليس كذلك؟
وأضاف:
- اذا كان الجسم جبارا فالعري أفضل !.
- لا....لا.. العري يرمز الى أشياء أخرى , الى الاثارة و..........!.
وصمت خورشيد.
ساد الهدوء والقلق جو الغرفة, وانسل أوصمان من السرير بتردد وارتدى ثيابه على عجل, وتحرك باتجاه خورشيد واعتذر وطلب ابريقا من الشاي.
قبل خورشيد الضيافة والاعتذار, واعتذر بدوره لأوصمان  , وشربا الشاي , وتعرفا على بعضهما وانتهت المشكلة وأصبحا صديقين.
كانت الغرفة رقم واحد من أفضل الغرف في فندق رضوان الكبير وسط حي سنجقدار بالقرب من سوق الحميدية, من حيث الاتساع وحسن التهوية وجودة المفروشات ونظافة الحمام والتواليت, وكانت المفروشات موزعة بتناغم في الغرفة, كنبة مخملية بنية اللون تتسع لجلوس أربعة أشخاص متوضعة على يمين المدخل, وخزانة من الخشب ذات بابين في الجدار المقابل, وسريران متقابلان من خشب الزان الأصفر, وبينهما ممر متسع للمرور, وعلى الحائط بين السريرين وضعت لوحة الجوكندا للفنان ليوناردو دافنشي بابتسامتها الساحرة, والحقيقة أن هذه الغرفة كانت مخصصة لكبار زبائن الفندق, ولكن ديركي صاحب الفندق آثر أن ينام فيها صديق الطفولة أوصمان فكلاهما من الدرباسية.
كان أوصمان وخورشيد على النقيض, كانا يتناقشان ويختلفان باستمرار حول قضايا اجتماعية وسياسية, كان كل منهما من طينة مختلفة, كان خورشيد ابن أرملة, ,ولد بلاسقف أب , توفى والده وهو في بطن أمه, كان يفلسف الأشياء وفق منطقه وهواه وارهاصاته, وكانت له قناعات واهتمامات تقليدية محافظة , و سجالاته مع أوصمان الطالب في قسم التاريخ كانت تتركز حول قضايا اجتماعية تقليدية على عكس اهتمامات الأخير, وكان يغيظ أوصمان بأفكاره النرجسية تارة والتقليدية تارة أخرى, وكانا بثيران اهتمام الطالبات و الطلاب المقيمين في الفندق, وكان موضوع الأصالة يشغل بال خورشيد كثيرا وله نظريات بشأنها , من قبيل أن الأصالة ضرورة فلسفية وحالة اجتماعية راقية, وأنه لن يتزوج الا فتاة ذات أصل وفصل ونسب, وكان أوصمان يتذمر و يسأله:
 - ماهو تعريف الأصاله لديك يا فيلسوف الزمان؟
وكان يحتدم النقاش بينهما على هذا المنوال واضطر خورشيد مرة أن يعرف الفتاة الأصيلة:
-  أن تكون من عائلة ذات أملاك زراعية !!!
- اذا , الأصالة عندك تتعلق بالملكية والغنى!! أنت تهمل قيم أساسية, لم تذكر الجمال والأخلاق الحميدة ومستوى الثقافة وأشياء أخرى, وتفترض أن الأصالة مرتبطة بالأرض الزراعي!!! مارأيك بفتاة حلوة خلوقة متعلمة ,يعمل والدها بسلك التعليم أو في مجال الصناعة أوبائع خردة أو اية مهنة شريفة أخرى؟
وكان يحتدم النقاش بينهما, وتخرجا من الجامعة ولم يتفقا,ولم يغيير كل منهما قناعة الآخر.
وفي ليلة صافية من ليالي الربيع جلس أوصمان قبالة خورشيد على الكرسي البلاستيكي في حوش دارالأخير تحت عريشة العنب بالقرب من شجرة الياسمين, وأسند رأسه على مسند الكرسي, وبسط ساقيه واسترخى, كان الليل رقيقا محمولا على الندى في اليوم الأول من شهر نيسان وكانت النجوم تتلألئ على صفحة السماء تبعث النشاط في النفس, وتثير الذكريات الجميلة, وانفتحت ذاكرة أوصمان على الفضاء الواسع وأراد أن يستعيد ذكريات أيام الدراسة في جامعة دمشق و كيف تعرف على خورشيد في فندق رضوان الكبير وسأل:
- هل تتذكر التجاذب الذي حصل  بيني وبينك في الغرفة رقم واحد؟.
 كان السؤال مثيرا , أعاد خورشيد الى زمن كان قد طواه من حياته , وارتبك واضطرب وتلعثم, وتداخلت الاشارات في جملته العصبية , وداهمته لحظة غير متوقعة, , وبدا وكأنه أمام امتحان صعب, وكان لابد من المواجهة التي هرب منها طويلا , واستجمع قواه وأجاب:
- فاجأتني بسؤال لم أتحوط له....... أجل ....أجل أتذكر كل لحظة, وكل جملة, كنت أنظر بعينين كسيرتين منخفضتين, وأنزوي الى ذاتي , كان العالم بالنسبة لي بيادر قرية جول بستان, ونجوم السماء في الليل, و في طيات الظلام التمست طريقي حذرا مخافة أن أعثر بشيئ , عيناي المفتوحتان لم تكونا تريان سوى عالم المرأة الأرملة, عالم أمي المغلق على الحزن بعد وفاة أبي, وحاسة الشم عندي لم تكن تحس بأية رائحة سوى رائحتها , ويداي لم تكونا تقبضان سوى عصى ضعيفة ضامرة, وملاذي الآمن الوحيد كان الحضن الدافئ , كنت وحيدا على دروبي, أتمرغ بدجى الأوحال, انسل من ذاتي وأخطو على الدوام خطو اللصوص, وأحاذر أن تشعر بي أمي التي كنت أرهقها بسيل هائل من الأسئلة التي تحار في الاجابة عليها, وعندما أصبحت يافعا أخذت مخيلتي ترسم تلاوين مختلفة, كنت أريد أن أخط لحياتي منحى مختلفا عن أقراني, منحى يتلاءم مع وحدتي, منحى مقاوما يطرد عني ارهاصاتي وضعفي و عذابات اليتم, فالقدر يرأف بأولئك الذين يقاومون, ويصبح الوجع أقل ايلاما, والمصيبة أقل وطأة, والحياة أقل تعاسة , وربما أكثر اخضرارا, كانت قدماي ترتطمان بالصخور والنتوءات خلال صراعي مع الحياة , فتسيل الدماء من وجهي وترسم علامات فوق أديم الأرض , وأتذكر أنني وقعت ذات يوم على الأرض وأصبت بجرح في ساقي, نهضت  بسرعة و لم أبك!! فمن يرثي لحالي؟ مسحت دمي وجففت دموعي وتابعت سيري ولم يكن لدي خيار آخر., وهكذا وجدت نفسي أواجه الصحارى القاحلة التي لاتعرف غير القسوة  ,انها المأساة التي يواجهها المرء حين يحاول اختراقها وحيدا, تؤرقني الذكريات, وهذه الذكريات تؤلمني, لكنني تصالحت معها, ففي تلك الأيام تعلمت الكبرياء والاعتماد على الذات, وسهرت الليالي وشقيت طريقي وحيدا في صحراء الحياة, ودرست في أصعب الظروف , وتخرجت من الجامعة, الا أن كثرة التذكر تصيبني بالكآبة.
شعر أوصمان بالحرج وأراد أن يخرج خورشيد من تلك الدوامة:
-  وماذا عن روان طالبة الفلسفة وبنت البلد؟
 ابتسم خورشيد وربت على كتف أوصمان وقال:
- جاء دورك ,تحدث لنا عن نذالتك.
ارتبك أوصمان وركبه الخجل ,لأنه لايرغب في اثارة االفضائح , يريد أن ينسى الماضي , يريد أن يشطبه من حياته, كان أوصمان شخصا مختلفا, من طرازغير طراز خورشيد, معتدل الطول, ذو قسمات هجينة, ووجها ساكنا متعاليا, ونظرة غامضة, ينحدر من عائلة تملك عدة قرى زراعية في ريف الدرباسية , وحرم والده من حصته في الملكية لأسباب عائلية , وعانى الأمرين جراء ذلك, كان متمردا على ثقافة القرية والعائلة والعشيرة وثقافة التابوات في حياة الانسان, كان يبحث في ممكنات المخيلات الانسانية ومبدأ التعددية الذي يسمح برؤية العالم كشبكة علاقات , في هذه العوالم الواسعة كان يتحرك , كان يود بذلك أن يستكشف تحت تعدد الأزمنة والأمكنة سمات التجربة الانسانية الأكثر رقيا كما عبرت عنها أفضل العقول في مختلف الأزمنة , درس علم التاريخ بعمق, والتاريخ لديه لايعني الفنتازيا والتهويل والتنكر للواقع, بقدر ما يعني اعادة تركيب الحياة ليتمكن الانسان من مواجهة الواقع بكل ثقله وبشاعته, كي يتمكن من تجاوزه الى واقع أسمى , واقع جديد يتساوى فيه الرجال والنساء, واقع ينحني فيه الرجال احتراما للنساء , واقع يزدري فيه الانسان كل الفوارق لجهة القومية والعرق والثقافة واللغة والمعتقد , واقع يختفي فيه النظام الشمولي ونظام الاستبداد والاستغلال والفساد, واقع يزخر بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والطوائف والأقليات والقوميات , وكان يصرح قائلا:
- العالم يحتاج الى رجال ونساء كاريزميين من أجل الاصلاح والصحوة وتجديد الروح والمسار ,    تكون أقدامهم في الشرق الأوسط وعقولهم في الغرب على ضفتي الأطلسي, وكانت الحداثة من أكبر اهتماماته.
كان يشعر في بعض الأحيان بأنه المخلص والمنقذ الذي ينتظر منه الشعب الكردي والتركي والعربي والفارسي والأرمني والسرياني والأشوري المعجزات لتغيير وجه المنطقة الى السلام, كان يقرأ بعمق تاريخ العظماء والفاتحين والفلاسفة والقادة الثوريين, وكان نضال الزعيم الهندي الكبير غاندي ونور الدين ظاظا من أكبر اهنماماته, هذه المشاعر تخيفه أحيانا , كان يراها ضربا من الخيال المرضي, فينكفئ على نفسه ويلوذ بالصمت الطويل.
- لابأس , سأتناول جزءا من فوضى تلك الأيام, أنت تدفعني نحو الماضي, أنا أخجل من نفسي ومن ذكرياتي , ومن لامبالاتي ومن بوهيميتي.!!
وغاص أوصمان في النتوءات والوديان والسفالات وقادته ذاكرته الخشنة الى أيام الطفولة والمراهقة, والهوايات وكشف أسرار الحياة , وملاحقة مخلفات النساء و البنات المتداخلة على شكل لوحات سريالية في الخلوات وخلف جدران البيوت وأكوام القش.
- كنت أختبأ كالجردون في أكوام القش أراقب بشغف حركة النساء أثناء قضاء الحاجة خلف الجدران, كنت أمييز براز روشن عن براز شيندا,كنت أتصيد بحرفية لحظات انتشار بول آرين في الأرض ,وألتفت يمينا وشمالا, وأمد يدي خلصة الى فتحة البنطال, وتسري النشوة في جسدي النحيف, كنت أتنقل في عز الحر أراقب نارين وشيرين من خلف خم الدجاج كانتا بالنسبة لي من أجمل البنات, كانتا تقضيان وقتا طويلا خلف الجدران, تطلقان نهديهما النابتين في الهواء الطلق وتداعبان بالتبادل النتوءات والزغب الأشقر ومن ثم تضيعان في ملكوت النشوة, كنت أسمع الآهات ولحظات الانفجارالساكن, وأتفاعل , وأغسل عيني بالتفاح والرمان الأحمرالمشقوق المسربل بشراشيب كوز الذرة الأشقر,وبين التفاح والرمان كنت أستمتع بلحم الصرة, وكنت أتماها في المشهد ويتدفق ماء الحياة وأضيع في الاسترخاء وأنتشي, وبين كل نشوة وأخرى كنت أرمم جسدي بلحم القنفذ والجردي غزال.
كنت ألعب مع عبطة بنت الجيران, كنا نصنع خربوشة من بقايا اللبن والقش وعيدان القطن , ونتبادل القبلات والمداعبات ونخطط لبناء أسرة خيالية .
وصمت أوصمان لحظة وهز رأسه ندما...هل تريد أكثر..هل تريد أن أعري نفسي ,ودون أن يأخذ اماءة بالموافقة  تابع وانتقل الى مرحلة الجامعة:
بوزي المحجبة آلا تتذكرها  ؟ كانت فتاة جميلة متدينة تحافظ على اقامة الصلوات الخمسة في مواعيدها, عذبة, أنيقة, في السنة الأولى لغة انكليزية, كانت لها نظرية راقية عن استعداد الجسد وشروق الشمس وذروة الحب عند النساء, كانت تقول أن اجمل فترة للحب بالنسبة لها يقع بين الفجر وشروق الشمس, وكان الليل بالنسبة لها حصان أبيض ,وعالم واسع  للخيال والأحلام الوردية والاستجمام والصلوات, وكانت ممارسة الحب بالنسبة لها شكل من أشكال العبادة , وأن في الوقاع أجر وثواب, وفي كل وقاع يحصل الانسان على دار في الجنة, و كانت ترغب ببناء دور عديدة لأهلها الأحياء والأموات وللصغار والكبار والجيران, والحقيقة أن هذه الفكرة كانت تتطابق مع نظرة القدماء الأكراد الى الجنس , فقد كان الاتصال الجنسي شكلا من أشكال العبادة والتقرب الى الاله وهذه الفكرة لم تسبب لي صدمة أبدا بل أعجبتني, وهذا الاعتقاد قديم يعود بجذوره الىعهد الالهة الكردية السومرية المقدسة انانا, وكان لها معابد وكاهنات عاهرات يمارسن طقوس الجنس المقدس مع الرجال داخل تلك المعابد, فالجنس حسب عقيدة الالهة الأم اتحاد مقدس بين الرجل والمرأة يؤدي الى خلق حياة جديدة وانجاب بشر جدد  .
 كان عشقي لها بلا حدود, كنا نلتقي خلسة عند الفجر نمارس طقوس الجنس المقدس في غرفة الغسيل على سطح الفندق, كانت تتفوق على نفسها في فنون الهوى الكردي الجارف, كانت قطة برية وغجرية مثقفة تمسك بخيوط الحب الغربي.كانت تموء كالقطة تلعق هيجاني وهدوئي,تعض صدري وأنفي ولاتشبع, تركب موجاتي وتبحر, تقذف بآهاتها في جوفي وتسترخي وتهدأ , ومن ثم تعاود الكرة ,ويضيع الليل في بحر آهاتنا, و اكتشف أمرنا صديقي ديركي صاحب الفندق ذات مرة وأشبعنا توبيخا,وحنت عليه بوزي وقضت معه بقية الليل .
استيقظت حواس خورشيد على اتساع المدى وخرج من سلطان الوقار وطلب المزيد:
 ماذا عن شاهبانو الحلوة؟-
- بانو, زنبقة جبال عفرين, كانت تأتيني في حي الأرمن بالقرب من دوار باب شرقي بلا ميعاد, تطلق ساقيها العاجيين و نهديها البرونزيين الملتهبين بمجرد أن تدخل الغرفة, شاهبانو اسطورة وأميرة وجنية, نهداها صنعا من اجل الحياة و الخلود, كانت توقف الزمن , تفور كالحليب, تطلق موجاتها, تحترق, تعانق موجاتي , و تفلت جسدها وتطلق العنان للرغبة الجامحة المستعرة , وتتكسر فوق السرير, مازالت ذكراها حية مشتعلة تسري في جسدي, كم أتمنى أن أراها لألصق جسدي بجسدها, وأمتص رحيقها ,آه ليتني بقيت رجلا لامنتميا أتنقل بين صدور النساء وعطورهن.
وأغمض أوصمان عينيه وغاب في لحظة سديمية واستيقظ :
عزيزي خورشيد:
- أنا لست راضيا عن نفسي, لقد ترعرعت حرا , ولكن حريتي كانت مزيفة ,لاتوجد في لغتي صرخة, أحس وكأنني مسكون بكائنات صامتة تطاردني , كائنات بشرية تئن من الوجع والآلم  تحثني على انجاز أمر كنت غافلا عن انجازه, , لقد اتخذت قرارا, سأغير مقاربتي للحياة, وأطير في فضاء   مختلف, وألج الحياة بأقدام صلبة, وأدور دورة طويلة للبحث عن الأزمان الضائعة, كما بحث كلكامش عن شجرة الخلود , ومن ثم أبدأ رحلة ماراتونية طويلة نحو الحرية , سوف أدافع بقوة عن شعبي.
صفق خورشيد بشدة وأراد أن يستفز أوصمان:
 وماذا بعد يا مولانا؟ -
أنا أقول الحقيقة وأنت تستهزئ بي , تريد أن  أن تعريني أمام ذاتي, لن أخجل من الحقيقة بعد اليوم, اللوحات السريالية والقنفذ وشيندا وروان وآرين وبانو وبوزي والتفاح والرمان وشراشيب الذرة, مفردات جميلة تركتها خلف ظهري, و قررت أن لا ألتفت الى الماضي, سأفتح كوة في جدارالزمن, وارسم طريقا جديدا للأجيال, لقد تاه أجدادنا طويلا في صحارى الذات, وتعددت بيارقهم وتنازعوا وذهب ريحهم, وأصبحنا هدفا لينا للطامعين وأفل نجمنا , وكما فعل النبي موسى, سأرتقي الجبل وأضع الشمس في يميني والقمر في يساري وأصعد نحو برج الميزان, وأعرج الى السماوات, وأطرق ابواب الآلهة  السبعة العظام وأضع قضيتي العادلة في حضرة الاله العظيم آنو سيدي, وأطلب منه العون, وأقطف من تاجه نجمة الصباح وأهبط على الجودي وأشعل من جديد نار نيروز, وأعيد البسمة الىأحفاد سومر ولولو وكوتي وكاشي وهوري وميتان وميد وسيتي, وأرسم من جديد شريعة أور ناموعلى الأرض , ومن ثم أرفع الصلوات الىالاله دوموزي ( تيؤسي ملك) وأهورا مازدا الكبير وبعدها أسبح بسم الاله الأكبر خودي, خالق السموات والأرض.







أتى هذا المقال من Welatê me
http://www.welateme.net/cand

عنوان الرابط لهذا المقال هو:
http://www.welateme.net/cand/modules.php?name=News&file=article&sid=1291