القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: كردستان إحدى أقدم مواقع الثورة الزراعية في العصر (النيوليتيكي) أو الحجري الحديث

 
الثلاثاء 05 كانون الثاني 2010


خالص مسور:

يطلق علماء التاريخ والأوركيولوجيا عادة اسم الثورة الزراعية على النقلة النوعية التي انتقل فيها الإنسان من حياة الصيد ومطاردة الحيوانات البرية، إلى مرحلة الزراعة والإستقرار وتدشين أولى القرى الزراعية المستقرة. وهو الأمر الذي أدى إلى إحداث ثورة بكل معنى الكلمة في حياة المجتمعات البشرية القطيعية، ولهذا سميت هذه المرحلة بمرحلة الثورة النيوليتيكية أو ثورة العصر الحجري الحديث والتي تعود إلى مايقرب من (9000) عام وأكثر، وفيها استطاع الإنسان تقليد الطبيعة وزراعة حقل صغير والإستقرار عنده ورعايته وحمايته لحين حصاده، وظاهرة القرى الزراعية هذه تعتبر بداية حياة الإستقرار للإنسان المسمى بالعاقل (هوموسابينز) ولأول مرة في التاريخ.


 من المعلوم لدى علماء الإنتروبولوجيا أن الإنسان القرد (الأوسترالوبيثيكوس) أوالشبيه بالإنسان قد انقرض من على وجه الأرض منذ مايقرب من (250) ألف عام، بينما انقرض إنسان بكين الأكثر تطوراُ منذ ما يقرب من (100000) ألف عام، وبعدهما كان إنسان نياندرتال الذي أبيد على يد الإنسان العاقل منذ (30000) ألف عام تقريباً وهو تاريخ ظهور الإنسان العاقل والذي نحن من سلالته الآن. 

كان لهذا الإستقرار البشري في القرى الزراعية الأوائل مدلوله الحضاري والإجتماعي والمعرفي أيضاً، حيث استطاع الإنسان تخزين منتجاته الزراعية وغلاله لحين الحاجة في حفر أو أجفار تشبه الأجفار التي كانت متبعة في الجزيرة السورية حتى فترة الستينيات من القرن المنصرم وربما حتى اليوم في بعض المناطق، وكان يلف جدران الجفر بالقش أو التبن أو الحصير تماماً كما كنا نفعله هنا، وهذه الفترة المديدة للتخزين البدائي تدل على التطور البطيء للإنسانية قبل نشوب الثورة الصناعية التي بدأت بين عامي 1750 – 1850 م، أي تطلب الأمر (10000) سنة حتى استطاع الإنسان تخزين غلاله في الصوامع والإهراءات الحديثة. وبتطور الآلات الزراعية كالمحراث الخشبي والمنجل مثلاً استطاع الإنسان أن ينتج فائضاً عن حاجته وحاجة أسرته معاً، ومن هنا بدأت التجارة وتصدير الفائض ومبادلة المنتوجات الزراعية بمنتوجات أخرى بالمقايضة العينية وكان ذلك التباشير الأولى لظهور التجارة والطرق التجارية أو القوافل التجارية وأهمية حيوانات الحمل وضرورة اقتنائها.
وفي دراساتهم الإنتروبولوجية يركز بعض العلماء على البؤرة الزراعية، أي على المنطقة التي بدأت فيها الزراعة ويرون أنها بدأت في منطقة واحدة هي جنوب غرب آسيا ثم انتشرت منها إلى بقية انحاء العالم، ولهذا تأخرت أوربا عن الشرق الأوسط ومناطق جنوب غرب آسيا في دخول عصر الزراعة بما يقارب الـ(3000 – 4000) عام. بينما يرى آخرون أن الزراعة بدأت في أماكن مستقلة وحيث وجدت عوامل قيامها من مناخ ملائم وأرض خصبة ومياه وفيرة...الخ، وإن كانت على فترات متأخرة بعضها عن بعض، لكن هناك آراء متعددة حول بؤرة أو أولى المناطق الزراعية في العالم، فبعض العلماء يرجحون – كما قلنا - منطقة جنوب غرب آسيا بأنها المنطقة الأولى التي ظهرت فيها الزراعة والإستقرار ثم انتشرت منها إلى بقية انحاء العالم القديم. بينما يرى آخرون ومنهم البروفسور (ساور) أن منطقة جنوب شرق آسيا وضفاف انهار الصين هي المنطقة المرجحة لتكون أولى المناطق الزراعية، كما يرجح آخرون منا طق الحبشة بأنها المهد الأول للزراعة والإستقرار، ولكن المنطقة الأكثر ترجيحاً لدى معظم العلماء ومن بينهم (ج. هاوكس ولي) هي منطقة جنوب غرب آسيا بأنها مهد الثورة الزراعية النيوليتيكية بدون منازع.
يرى هاوكس ولي  بأن الزراعة بدأت في المناطق المرتفعة من الأناضول وشرقي البحر المتوسط وجنوب تركية وشمال سورية وجبال زاغروس وحول دجلة والفرات وروافدهما الزابان الأدنى والأعلى بالدرجة الأولى، أي هذه المساحة تشمل ثلاث مناطق رئيسية موغلة في القدم، المنطقة الأولى هي منطقة جريكو(أريحا) في فلسطين والتي قامت فيها الحضارة النظوفية (7800) عام ق.م، حيث عثر هناك على ضريح وبقايا أكواخ بدائية واهية للإستقرار وممارسة الزراعة إلى جانب تربية الحيوان يستدل من ذلك على اكتشفاف فؤس ومناجل استخدمت لحصاد القمح والشعير بشكل خاص، بالإضافة إلى دلائل على صناعة الفخار والنسيج. والمنطقة الاخرى هي المنطقة الجنوبية لشواطيء بحر قزوين وتتمثل في كهوف (البالت) والهوت) وما تحتويها من مخلفات زراعية وحيوانية، والمنطقة الثالثة الأقدم في الحضارة الزراعية هي حضارة مدينة (جارمو) قرب السليمانية في كردستان العراق وتعود حضارتها على ما قبل(6500) ألف عام ويزيد، والتي يسميها هاوكس بالمدينة المقامة على تلال الأكراد، حيث عثر فيها على حبوب وبالأخص القمح والشعير بسنابل مختلفة الأحجام مما يدل على الإختيار وانتقاء المناسب وإلى جانبها أدوات زراعية مصنوعة من الزجاج المستورد ومن الصوان كالمناجل والفؤس الحجرية..الخ  وكان السكان يعيشون في قرى صغيرة ومنازل متعددة الغرف مبنية من الطين مستطيلة الشكل وأحياناً على أساسات حجرية وأرضية مفروشة بسعف النخيل، واحتفظ السكان في منازلهم بتنانير الخبز وأحواض الغسيل، وقبل أن يتعلموا صناعة الفخار صنعوا أدوات وأواني بأشكال جميلة من الطين، كما صنعوا الطواحين الصغيرة(دستار) ثم الحلي كالأساور والقلائد من الحجارة والزجاج المستورد، وكانت الفؤس الحجرية والمناجل مصقولة بشكل واضح وهو من سمات صناعات العصر الحجري الحديث.
كما دجن سكان جارمو في المنطقة الكردية اليوم الكلب والخنازير والثيران واكتشفت فيها تماثيل صغير للمرأة من الصلصال تظهر ملامح جسدها الأنثوية بشكل بارز، لترمز إلى إلهة الخصب والنماء وهو ما يعتبر من أقدم عبادات تقديس المرأة وتأليهها في منطقة كردستان الحالية، ولهذا يمكننا القول بأن أول الآلهة كانت أنثى وكانت تنتشر عبادتها لدى سكان جارمو دون أن ينازعها في تلك الرجل، وفي هذا العصر الأنثوي ساد الهدوء والإستقرار والسكينة والسلام، إلى أن اغتصب الرجل منها العرش السماوي فبدأت القلاق والإضطراب ورحلة العذاب والحروب والموت والدمار الذي نشاهده في كل مكان حتى اليوم.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.42
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات