القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

الفنون الجميلة: خريف سرور علواني مثمر جداً و شتاؤه ماطر جداً

 
الأثنين 14 اذار 2022


غريب ملا زلال

سرور علواني كما نعرفه فنان مجتهد له قدرة عالية على فرز المعادلة الفنية بين معطياتها الإبداعية و معطياتها الحرفية، فرغم أنه يقدم نفسه كتلميذ في الفن باحث عن الجمال في خلق رب الجمال، و هذه تسجل له، فالفنان الحق يبقى خاشعاً و متواضعاً مهما علا شأنه، أقول رغم أنه يقدم نفسه كتلميذ في الفن فهو الأستاذ الجامعي أيضاً، إذ عمل محاضراً في كليات الفنون و العمارة لسنوات طويلة، سرور إسم لا يمكن تجاهله، فهو يصعد بحركات مشبعة بالحس أشبه بذلك الضوء الذي يسطع من أعماله و هو يمتص منا كآبتنا ليضعنا في أجواء لا تزال خضراء في أرواحنا، يلفح دواخلنا بلغة لا تكاد تفرش ملامحنا على نحو إستثنائي حتى يبدأ الفرز الذي يريده،  فيضع أمامه و أمامنا تلك الحرفية الكبيرة بتقنيتها التي تقتل النعاس في العمل المنتج و تبقيه في حالة النبض على إمتداد الإنتماء لبحر الجمال و آفاقه اللانهائية، تبقيه تربة خصبة و غنية لأسئلة جديدة، لفصول تبحث عن ألوانها،


 فالتأثيرات الزمنية في أعماله لها أطوارها التي لا تتلاشى في ملامحها، و لا في قيمها فحسب، بل تسافر كالسراب في لحظاتها الدائمة الإحاطة بسمواتها التي لا يمكن القبض عليها إلا وهو ممتلىء بالدهشة، و نحن معه ممتلئين بسر هذا التأثير المسافر فينا كأغنيات رددها الأولون حين كانوا يفكون الكرب عن تلافيف قلوبهم، حين كانوا يلمسون الروح من سريرته بحثاً عن جذور ممتدة في الضياع، حين كانوا يحدقون في أفق تتسارع الألوان في إرسال النبض فيه، فعلواني له لغته التي يصر على عدم سقوطها في الإفراط اللوني، فكل مساحاته لها خلفيات غير هادئة، و لهذا تشكل فصوله ملحمة منها يستلهم نشاطه الإنفعالي الجميل مع القدرة بالسيطرة على حالات الصعود و الهبوط و ما يرافقهما من أصوات و كأنها معزوفات ناي لفنان غارق في العشق حتى قصباته، كأنها معزوفات تؤكد على قدرته في الوصول بفلسفة تحمل إرثاً من التفاعل الذي به تزداد مفرداته ألقاً، كإشارات غير معقدة، كإشارات لها كل المقدرة في كشف ما يوحي بأن الإنتماءات المختلفة تخلق في لحظة ما، هي بوابة العبور من / إلى هذا العالم المضطرب بنا، فهو كفنان لا يترك اللثام أبداً، بل يحركها ضمن أسس ثابتة من الخطورة بمكان مقارنتها بمرئياته المتألمة جداً، القريبة من الذات المليئة بالإنكسارات، القابلة للإحتمالات كلها، الهادئة و الصاخبة في الآن ذاته، هي رؤاه للعالم كجزء و ككل، يعمل للكشف عن ذاك السر الذي يجعله يهد كل الجدران التي تقف في طريق تجربته و بالتالي في طريق طموحاته، و هذا ما يجعل أعماله تنبض على إمتداد الفيضانات و خرائبها، فعلواني لا يمكن أن يهدأ فمشاهده المرئية هي تكوينات لشظايا عناصر حاسمة لا من وجهة نظره فحسب بل من وجهة نظر متلقيه أيضاً، و مشاهده غير المرئية هي من طبيعة دواخله الخاصة تجعله سيداً للتأمل و للمسافات التي تمضي نحو محور الأشياء محققاً عملاً فنياً بمناخات جديدة، فيه تتلاحم الرؤى و القدرة على تحريك الوقت بإستراتيجيات جديدة تعزز تجربته و حضورها بما يليق بها .
إن عطاءات علواني تتميز كقيمة إبداعية / فنية بوصفها تسجيلات لإحساساته باللون و الشكل، بإيقاعات خاصة مستمدة من طريقته في العزف محافظاً على الوزن في مقاطع تشكيلاته فهو مدرك أن الوزن يضفي نظاماً خاصاً على الزمن، و في أحيان يندفع بسرعة مفاجئة و كأنه في سباق مع / بين الألوان، يعزف من خلال تلك السرعة التي تشتمل على دقة زمنية تجعل عمله أكثر إحكاماً بعيداً عن أية مبالغة، فهو يعتمد على مثيرات سيكوفيزيقية و لهذا تتردد أصداؤها بإيقاعات هادئة تماماً أو صاخبة تماماً، و من الممكن أن يزيد ذلك من الإستجابة لإحتمالات جمالية كافية إلى حد كبير للإهتمام بتلك المتغيرات الموقفية و تأثيراتها في الحالة / حالة العمل و حالة المتلقي /، أقول إن عطاءات علواني تتميز كقيمة إبداعية / فنية بوصفها تسجيلات لإحساساته باللون و الشكل
، باللون كأحد أهم الثوابت في الطبيعة، و أحد أهم المعايير التي نحكم من خلالها على الأشياء، فلونه يملك الثراء كله، و بالتالي يملك طاقة تجعل المتلقي يستمتع بها على نحو كبير، و بالشكل الذي يملك الإيحاء أكثر من التنبيه المرتبط به و القائم على إستثيرات تفضيلية إنبساطية منخفضة حيناً أو إنكسارية مرتفعة في حين آخر، فهو يتوجه به نحو مصدر الضوء، و إلى مناطق التضاد بين العتمة و الضوء حتى يبدو و كأنه منهمك في إظهار عملياته بردود أفعال إرادية، على حين اللاإرادية هي التي تحرك مشهده كله حتى كاد أن يتحول إلى نمط بصري مختلف مهما ظهرت فيها التضادات 
كما و بذلك كأنه يؤكد أن الإهتمام الشديد بكل تفاصيل العمل من شأنه حشد عناصر أساسية في الحياة، كما تتميز أعماله كقيمة معرفية منها تتدفق الشلالات بتركيز عقلي يحمل الكثير من المهارة الحركية بمدى أوسع و ذاكرة أدق نحو فكرة عامة مفادها إن أي إحساس بالجمال، و أي إستكشاف للعالم البصري لا بد من وجود التذوق للفن كتعبير آخر عنه، فطموحات علواني تعزز وجوده الخاص و حضوره الراسخ، و تتآلف مع قوى خاصة بالسعي نحو توسيع حدود التعبير بضخ حركات جديدة برؤى فنية جديدة تعطي بدورها إحساساً بصرياً جديداً خاصاً بالمكان بعناصر جديدة ( كتلة، حركة، ضوء، ....) ستشكل لاحقاً الصيغ البصرية لأعماله و التي ستثير داخلنا ما ينبغي أن يكون في حالة إتصال مع لا شعورنا الخاص، و قد يكون ذلك كافياً لحدوث متعة جمالية تجعلنا نندمج في تحولاته الخاصة، فعلواني يعي أن أي عملية إبداعية ينبغي لها أن تضع متلقيها في حالة إتصال مع لا شعوره الخاص، و لهذا فهو يرتقي بمتلقيه مع عمله الفني موجهاً به نحو إكتشاف عمليات خاصة كمفاتيح لخزائن المتعة الجمالية .
سرور علواني يهتم بتطوير أسلوبه، و يصر على إظهار الإحساس الجمالي فيه / به، و على نحو خاص خلال تلك المواجهة أو الإلتقاء الذي يحدث بين المتلقي و عمله الفني، موظفاً تفاعلاته و تلميحاته كإلماعات ضمنية متبادلة بينه و بين عمله من جهة، و بين المتلقي و عمله من جهة ثانية، و تتطور تلك الإلماعات كلما تطورت العلاقة التشاركية بين العمل و خالقه و متلقيه، و يزداد التعلق بينهم على شكل إقامة صلات و روابط إبداعية بين عوالمهم جميعاً، تلك العوالم التي تتشكل كلما إزداد اللعب الخيالي كجسر مهم يربط بين تخيلاتهم، و هنا يبدأ دور علواني في إستثمار تلك التخيلات و ما تحمله من موضوعات و تهويمات عبر خبراته الثقافية و الجمالية، حينها تبدأ العلاقة بين مفرداته و التي تتسم بالألفة و المتعة و الحميمية، و على نحو عام فخطوات علواني المتدرجة منها و المتلاصقة خطوات مبدع محترف يبتعد عن المألوف و لا يتردد في السير في طريق مختلف، فخريفه مثمر جداً، و شتاؤه سيكون ماطراً جداً .










 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.5
تصويتات: 8


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات