القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

نصوص أدبية: محمد سيد حسين، في «ملحمة الخابور»

 
الأحد 13 شباط 2022


 الترجمة عن الكردية مع التقديم: إبراهيم محمود 

أستطيع القول أن ما أبدعه الشاعر الراحل محمد سيد حسين في قصيدته الملحمية فعلاً " ملحمة الخابور Destaneya Xabûr" يشكل إبداعاً فنياً غاية في البراعة، وهي منشورة في مجموعته الشعرية " أنغام الحب Awazên evînê  ، 2010 " وتقع بين صفحتي " 17-26 ".وأستطيع الجزم بالمقابل، أنه ربما من الصعب، إن لم يكن مستحيلاً العثور على نص شبيه له في عمق معانيه ، وسوف يظهر قراء فعليون، وكتاب فعليون، وهم يقبلون على قراءة كتابات هذا الرجل: تلميد الحياة والطبيعة بكل وساعتهما، الكردي المأخوذ بمستجدات كل منهما في تنوع معانيها، ليعرفوا المزيد فالمزيد في هذا السياق، حيث إن النظر في بنية هذه القصيدة يعرّفنا بمدى تفاعل الشاعر مع المكان وزمانه، في مائه، وترابه، وماضيه وحاضره، في كائناته المختلفة، حيث ليس من كائن إلا وله نصيب ودور في أصل القول، وهو نِصاب الجمال المتوخى .


تُرى، من منح الخابور مثل هذا الحضور المهيوب والمعزز بعمق الرمز وفراهة التوصيف؟
أليس لأن الشاعر في انفتاحه الروحي على جغرافية كاملة وتاريخ كامل، يتبصر ما كان، وما يمكن أن يكون؟ أليس في الخابور مراتب حياة، مراتب بشر، ومجتمع بالمقابل ؟
ليس هناك من فصل بين اللحم البشري، ولحم الكائن المفارق، بينه وبين النبات والماء، بينه وبين التراب والجماد، بينه وبين التاريخ والجغرافية .
للشاعر عيون كثيرة يرى بها ماوراء المعتم، وأيد تحيط بما لا يتاح لغيره القبض عليه .
إنه حوار الشاعر مع نفسه، مع عالم آهل بالحياة والتوترات. ثمة تاريخ مقاوم هنا، جغرافيا مرسومة في متخيله، ولكنها تنعطف على كرديته. إنها الحياة المرصودة دفعاً للموت ومرابيه !
ما هو مرسوم أكثر من الحب العادي، فالخابور مستعاد بكامل عنفوانه، هكذا الحال مع جغجغ، حيث الشاعر يعود بهما وبنا إلى الوراء، ويضع نقاطاً، له، وما أكثرها، على حروف، وما أكثرها بالنسبة إليها. إنها الأرض المنجرحة التي يضيء صفحتها، بشره، آماله وتطلعاته .
هناك قرب وبعد، رؤية مباشرة، وبالخيال، رؤية بالعين المجردة، وطي الحلم، مكاشفة عمرية تمتد كما هو النهر ودلالاته. إنه يحيا نهرياً، ويسمّي أشياءه نهرياً. ترى كم احتاج الشاعر وقتاً ومعاينة أمكنة، ليكسب ود هذا النهر ويملحمه، ويرتقي به إلى مستوى البراعة الملحمية هذه ؟
في حوار الذكورة والأنوثة، صراع الأضداد، جدل الليل والنهار، الخصب والقحط، تنفتح القصيدة الخابورية على تعددية مناخات وجلاء الجمال وبدعته في كلماته وسيرورة معانيها.
وإذ أورد النص كاملاً، وفي حدود المستطاع ترجمةً، أدع قارئها يطوف في معالمها ويرى ما هو أبعد من حدود النص المقروء، وأبعد من المسطور طبعاً. إنه رهان الفن البالغ الأثر:



ذراعاك اللتان
كانت تحتضنان إيانا
مضتا، انتهتا، زالتا...
الينابع التي كانت تدير
الطواحين والعيون
بدموعك
أصبحت تاريخاً كذِباً
***
الجبناء أصبحوا
شجعاناً وجسورين
تلك الذراعان
جعلتا أسرار الحب
بعناقيد العنب الخابوري
حلوة
أي نعم يا العاصمة المغمومة
اليوم ثانيةً
غطتْ غيوم حالكة السواد
وجه سمائك
بعد المطر
يبقى الماءُ والندى
قطرات الدموع
***
لذا من أين 
للحياة أن تتكلم..و
ملك الموت
قد ترجَّل
بقيت الكلمة دون قوام
كل شيء 
توقف، خمَد
بقي دون روح
لم تبق حكاية
حيث المرء 
يمكنه أن يهدهد بها 
الزهر
***
من أجل ألا يبكي
يصل بالصراخ والعويل
إلى الله
تُرى من أين لي
أن أستدين له بقطرة ندى
من أين لي أن أشرح له
أحلام الأسماك
وأدندن له من القلب المغموم
***
تُرى كيف لي 
أن أرجِع التاريخ
إلى الوراء
بالياقوت والزبرجد
أضع التاج الميتاني
على أمواج الخابور
أعدّها بصورة أفضل
حيث  لا أعود
أرى أثراً
لحوافر أحصنة الأعداء
جوار خرائب الأزمنة 
***
أي نعم، يا القلب البائس
الدنيا مثل 
لعبة الصغار
الأمل، الرشد، والتأمل
تُرى هل يمكننا لملمتها
بصورة أفضل
مثل ينابيع الخابور
تلك التي تتدفق
تجعله أمواجاً وأنهاراً
تُرى هل 
الأخبار والأنباء جميعها
كاذبة
أم إن الفصول جميعها
في الحدائق والمراعي
أصبحت خريفاً
***
تُر، هل فرغت المنطقة
من الحب
أم إن الوطن قد يبس كلياً
لهذا سنتفسح ونتنزه
على أي شاطىء
والأطفال،
وسط أي مرج، دغل، 
وغابة، سوف يلعبون
الغميضة
***
أيا خابور...
أنت تعرف جيداً
أن الناحية هذه
بعيدة جداً عن البحر
إن رشفة ماء
قطرة ماء
من أجل براريك...و
أراضيك حياة
بكاء شجرة
محل سنبلة قمح
في الحقول العطشى
بانتظار دموعك
***
أي نعم، يا أخي... خابور
لم يكن يكفي
همُّ جغجغ
كان همك أشد وطأة
وقد زاد ثقلاً
لكم احلوت ملامح الاثنين
عندما كانا 
يدخلان في عناق
جوار الحسكة
أمواجكما مثل 
ضفائر النساء
ترتفع عالياً
وهي تتشقلب
على بعضها بعضاً
الروافد والجداول
تتفرع عنكما
وسط البساتين
حقول القمح والقطن
تُرى ألم تحسا
أنكما قد زدتما
هموم الفلاحة
وآلامها
جعلتماه في حسرة من
الماء والندى
أتراكما نسيتما
أن النحلة، الفراشة، والزنبور
كانت تنتشي
من زهور بيعكما
***
إنما ما العمل اليوم... يا الخابور
لقد أصبحت خابوراً مشلولاً
بلغت العمر الهرم
متأخراً
زحفاً
تبلغ الضفاف
بروح تعبى
 تكابد
حتى دموعك
لم تعد تتكلم
جميع حيوانات البر
والبحر
مع الأرواح المختلفة
البشر، والأرض والسماء
الطيور بأشكالها
تراقب
دموعك 
***
ربما ف ظل
الحمامة البيضاء
تتفجر عيون الينابيع
السيول والشلالات ثانية
تندفع بغزارة
صوب الحقول
وسط مربعات القطن
وكذلك مثل المطر
لا يمكن أن يكون هناك حل
أو لا يكون المطلب الأخير
***
هو  هو ...
أيا خابور الرحيم
فانوس السقّا
أصبح عليلاً
صار ملولاً في يده
في الانتظار
لقد أصبح دون كاز
دون جدوى يا مسكين
يتعثر، تعِباً
أيا خابور هكذا نحن
باستحياء ودون جواز
نقارب ضفافك
تلك العطشى والجافة
دون شجر ولا قصب
دون مروج، زوادة وعشب 
***
أين تلك الأمواج
تلك تشبه السراب
وهي تتداخل في عناق متبادل
التي أصبحت اليوم
بالنسبة لنا
مبتغى وحلماً
تراها شجرة السفرجل
التي حلت دون ظلال
جوار شجرة الزيتون
قرب شجرة الحب
تلك التي تواعد أسفلها
العشاق شباباً وشابات
وهي تنحني عليهم 
بأغصانها
تحميهم ممن البكوعوانيين
ولم تش بهم البتة .
***
تُرى، كيف يسطّر الحب السرمدي
على أوراقه
كيف يمكن لماء الخابور
أن يحل ضيفاً مجدداً
على التراب، المروج، والمراعي
ومرة أخرى
كيف يمكن أن  ينقّط
قطرات الندى
على لسان الأوراق4
***
أيا خابورو...
كرمى عظام ميتانيّ
ألا تترك أرض الآباء والأجداد
دون ماء
مُد بالغطاء الأخضر مجدداً
على وجه الأرض الذهبي
مثل الأيام الخوالي
زينها بالأخضر والأحمر
لتصطد الطيور
والأسماء
ثانية
من بين أمواجها
وتمرح
وترجع عصافير الحب الملحمي،
طبعاً يكفينا ذلك
حين نكون معك.
***
أي نعم يا القلب البائس
تتذكر
مؤاخيك ذلك الأسطوري
جغجغ الذي أصبح منذ القديم
تنوراً
مثلما أنت أيضاً
قضيتَ بالموت
على الأسماك
على النسرين والنرجس
ذلك الحب القائم بيننا 
تاريخي
لم نطلب أبداً
أن نبتعد عنك
الحياة بالطريقة هذه
دونك عقيمة وخاوية
وحدها فقط في خبزك
وملحك
وأكثر، في زادك وفاكهتك.
***
على عشبك
نتشقلب
بمرح وسرور
كنا نتعانق
كنا ننسى أنفسنا بالحب
وننتشي
وما كنا نعرف
من تكون ومن نكون
إنما دون استثناء
كنت أعرفك جيداً
رأيتك أحياناً
في سيماء الصبيَّة اليافعة
بوجه صبوح وسيم
طويلة الجدائل
وأحياناً رأيتك أيضاً
أرملة مهلهلة
ملفوفة بخِرَق بالية
فارقت النضارةُ شفتيها
***
إنما سواء أريدَ لذلك أم لم يُرَد
أيا خابور العزيز 
كلما بقي دائماً نهر، حزمة
من وطننا
مع طحلب معتق
مع ماء عكر، معفَّن
قدْر ما أستطيع
سأحميك من المؤامرات والدسائس
من مخالب الدببة والهمج
من اللصوص وأحابيل الجناة
ممن جعلوك جيفة
حيث طنين الذباب
عليها مثل خلية فارغة
العظام التي يبستها الذئاب
 والضباع
***
أصبحت مثل
تمثال حزين
في ذلك الجانب
مهملاً
ظل خراباً خرباً
جرحاً ملتهباً
مفتوحاً دائماً
صارخاً وملحوظاً
على حافة التاريخ
مثل شجرة الحور
منتصبة واقفة
تقاوم التيارات والعواصف
بالصراخ والعويل
تستغيث وتنتخي
جرحٌ قديم
تشكل عبر التشبث والمقاومة
جرى بريء
في الممرات والساحات
أصبح معقوداً
جرح تكوَّن قبل الألم
وديعة قطرانية كاوية
في أخلاق الإنسانية
وسط عينيّ روما السوداوين
جرح دولي
مسجل على جبهة الإنسانية
ألماً عميقاً وغداراً
تشكَّل وفق قوام التاريخ
***
أي نعم، يا خابورو، أنت تأوهي
حياتي وهويتي
ماء ينابيعك
دموع عينيّ
ألا فانهض إذاً
أنا وأنت بالحماس نفسه
مثل جمرتي نار
ننفجر
وسط قلب الأعداء القتلة
من أجل حياة
واحدة وسالمة
ربيع دائم
في عالم عصري
صحبة أجيال صاعدة
واعدة
سوف تتكون .
دهوك

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.33
تصويتات: 6


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات