القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قصة: الأرملة.. قصة من قريتي

 
الجمعة 04 تشرين الاول 2019


هيثم هورو 

-١- 
دارت حرباً شرساً في إحدى المدن من بلدي وعلى أثرها نزحت عائلة مؤلفة من الاب ( سيامند ) الزوجة (نسرين ) مع طفليها صبياً (دليار) وصبية (جوانا) إلى قريتهم للنجاة بأرواحهم. 
لم تمضي فترة طويلة اقترحت نسرين على سيامند بالذهاب إلى المدينة المنكوبة ليتفقد منزلهم ثم أردفت قائلة له: أتمنى بأن منزلنا ومحتوياته قد نجت من الأيادي الخبيثة والطويلة وانت أدرى ياعزيزي كم بذلنا الجهد معاً لشراء تلك الحاجيات ! أجاب سيامند وقال:  حسناً غداً سأذهب صباحاً وأجلب معي أثاث منزلنا بشاحنة كبيرة إذا قدر العلي القدير أن يكون من نصيبنا ! 


وفي الصباح يوم التالي أتجه سيامند إلى مدينته برفقة أحد أقربائه، وحين وصلا إلى شارع منزله واذ بقذيفة وقعت بالقرب منه ثم أصابته شظية حارقةً خارقةً ، فأسعفه مرافقه حالاً إلى أقرب مشفى ، 
بعد يومين من المعالجة والعناية المركزة طارت روحه إلى السماء لتعانق نجوم طفليه وأما مابقي من اللحم والعظام دفن في ثرى قريته تحت ضوء القمر وحشد هائل من أقربائه ومحبيه..

 -٢-
قضت نسرين زوجة الشهيد سيامند مع طفليها في بيت والد المرحوم زهاء ستة أشهر تقريباً ، بعد ذلك قصدت منزل أهلها دون طفليها وذلك بزيارة قصيرة جداً لتطمئن عن أحوال أهلها ثم ستعود حالاً !! لكن ماذا يدور في خلدها ؟ لا يعلمه إلا الله ، وهل الملائكة ترافقها أم الوسواس الخناس؟! 
افكار تتلاطم في رأس والد زوجها. 
ولت أيام وأسابيع لم تعد ام دليار وجوانا إلى منزل عمها فقرر الجد بزيارة أهل كنتها الأرملة ثم وصل إلى هناك فكان يخالجه كثيراً من الأضطربات النفسية ودون أن يطمئن عن أحوال تلك الأسرة بلا مقدمات بروتوكولية ، سأل كنته مباشرةً لماذا تأخرت !! أولادك يصرخون بكاءً ، ردت الكنة قائلة : عمي العزيز قررت البقاء في منزل أهلي واما بالنسبة للولدين انتم مسؤولون عن رعايتهما وأستغرب العم بشدة لكن سرعان ما أمتلك غضبه ثم قال الكنة : أرجوك  يا أبنتي هل حدث سيئ ما أم ينقصك حاجة ما في منزلنا فأنا مستعد تلبية ما تطلبين ، فقط عليك أن تعود إلى دليار وجوانا فأنت الوالدة العزيزة على قلوبهما وكما لك مكانة مرموقة في قلوبنا ، ردت الكنة بقلب بارد و محطم ، أنا قررت يا عمي بحياة جديدة أخرى بعد هذا  الأحزان الذي حلت علي ،
دعني أعيش كما يحلو لي يا عمي ، أرجوك لا تلح علي كثيراً أنني اتخذت بملئ إرادتي القرار النهائي ، 
خرج أب الشهيد سيامند من منزل والد الكنة مكسور الخاطر ، مجروح الجناحين على سلوك وتصرف الكنة القاسية دون شفقة على اكبادها الصغار وهو يسير في الشارع المؤدي إلى منزله يهز رأسه يميناً و شمالاً 
قهراً وحزناً على وفاة ابنه سيامند ، وفي الوقت ذاته يطلق الحسرات والزفرات من رئته ولا سيما هو طاعن في السن وزوجته مصابة بداء السكر والقلب ، 
فهي لا تستطيع رعاية الوردتين الناعمتين. 
وصل الجد إلى بيته وأخبر زوجته على موقف الكنة التي رفضت العودة ولا ترغب العدول عن قرارها البليد واللانساني وهما ينظران إلى دليار وجوانا اليتيمين وقلبهما يبكيان عليهما . 

-٣-
ارسل الجد والجدة الطفلين دليار وجوانا بطريقة غير مشروعة إلى تركيا حيث يعيش هناك ابنهما البكر والمتزوج منذ خمس عشرة عاماً وزوجته لم تنجب الاطفال ، فأخذ العم اللاجئ على عاتقه بتبني الطفلين ثم أصبح دليار وجوانا بعهدة عمهما وزوجته ، فسادت الفرحة والسرور في جو المنزل بقدوم الملاكان الجميلان واللذان أزاحا الغيوم الداكنة منذ سنوات في سماء منزلهما ، فباتت حياتهما في قمة الروعة والهناء . 
أما نسرين ام الطفلين المهاجران ، تقدم اليها رجل يدعى هوشيار ، طلب يدها للزواج وهو الآخر ليس لديه أولاد ومدعياً بأن زوجته هيفين عقيمة لا تستطيع الإنجاب ، أما هو سليم البنية يتمتع بالفحولة ثم اشترط معها على ان تعيش مع زوجته الاولى هيفين في بيت واحد وكما وعدها بحياة مرفهة وسعيدة .
تمت الموافقة من قبل نسرين ولا سيما أهلها شجعوعها كثيراً في قبول عرض الزواج وخصوصاً هوشيار من الطبقة ميسورة الحال متأملةً بأنها ستعيش حياة مليئة بالسعادة ثم تنجب له صبيان وبنات ، وتصبح سيدة البيت . 
تزوجت نسرين من هوشيار وبعد مضي سنة من زواجها فإنها لم تحمل منه ثم خابت أملها وحينها شعرت بأنها وقعت في فخ ، أما الزوجة الأولى هيفين بقيت هي السيدة الأولى في المنزل وتنظر الى ضرتها بكبرياء وكأنها خادمة سيرلانكية تعمل لديها في داخل المنزل وخارجه دون اعتراض واصبحت وظيفتها فقط مراقبة أعمال ضرتها في المطبخ والمنزل دون أن تحرك ذرة من ضميرها اتجاهها وأما زوجها المنافق خالف جميع وعوده معها دون خجل وحياء والأهم من كل هذا اكتشفت الزوجة الثانية نسرين بأن زوجها الجديد الكذاب هو العقيم وليست زوجته الاولى هيفين .
ولم تبقى امام ام الطفلين نسرين لإنقاذ من حالتها التراجيدية إلا طريق واحد ، وهو العودة ثانيةً إلى اهلها . وفي يوم من الأيام رجعت مرة أخرى إلى والديها بعد أن فقدت سنة كاملة من عمرها المليئة بالاحزان والقهر الاجتماعي وفي الوقت نفسه كانت تشعر بتأنيب الضمير اتجاه طفليها دليار وجوانا، وتطلقت نسرين من هوشيار بعد مرورها بتجربة قاسية لم تفلح فيها. 

-٤-
أما عم الطفلين دليار وجوانا لقد كان كريماً عطوفاً ورأفة قلب زوجته لم تكن أقل منه وقدمت لهما ما لذ وطاب ، وادخلتهما إلى المدارس حيث كان العم والزوجة يشعران من خلالهما بنعمة الأبوة والأمومة التي كانت مفقودة طيلة فترة زواجهما وهكذا استمرت حياتهم في غمرة الفرح والرفاهية على مدى أربع سنوات ، واذ في يوم من الأيام أحست الزوجة الحنونة بألم شديد في أحشائها،  فأسعفها زوجها على الفور إلى أقرب مشفى في المدينة التي يعيشان فيها وإذ تبين هناك انها حامل في شهرها الثاني، اصابتهم الدهشة والذهول وكادا ان لا يصدقا هذا الخبر المفاجئ فأقترب الزوج من الدكتور ثم قال له معاتبا: 
لاتمزح معنا يا دكتور فقد يكون حمل كاذب في 
بطنها !! فرد الدكتور عليه بعصبية وسأله هل انت في المسرح ام في المشفى التخصصي ؟؟ 
قام عم الطفلين بتقبيل وجنتي الدكتور ثم احتضن زوجته وهو يزرف دموع الفرح على كتفها أما الزوجة هي الاخرى زرفت دموع ناعمة وحمدت ربها كثيراً على الهدية العظيمة التي لا مثيل لها في الدنيا حيث ستصبح ام حقيقية ثم عادا الى منزلهما السعادة والسرور تغمرهما. 
مرت الأشهر التسعة وأنجبت الزوجة الملكة، أميرة لا تضاهيها أميرات العالم وهي آية من الجمال والروعة وبدأوا يلتقطون الصور التذكارية الجميلة مع المولود الجديد وكانت اجمل لقطة منها عندما أحتضنتها دليار وجوانا المولودة الجديدة وهما يقبلانها فرحين بقدوم نجمة ساطعة في سماء بيتهم .
أما ام الطفلين نسرين المسكينة ألحقت خسارة فادحة بنفسها جراء سلوكها اتجاه دليار وجوانا وتخلت عنهما وكما ازدادت في الطين بلة عندما كانت ساذجة واقتنعت بسهولة من ذلك الرجل المخادع الذي خيب ظنها .
مرت فترة طويلة لم يسمع أحداً الأخبار عنها،  لكن بقيت أسئلة تتزاحم في عقول جيرانها ومعارفها وهم يتسائلون: 
-هل تعلمت نسرين زوجة الشهيد سيامند دروساً من الحياة؟ 
-هل عجباً كانت عبرات الطفلين دليار وجوانا تخمد السراج أمام مسيرتها !!؟
-هل هي أعطت دروساً بليغة للنساء الساذجات !! 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات