القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: الجهة الخامسة «حول كتابات الراحل رزو أوسي» الحلقة العاشرة : حليم يوسف، هل من منظور مختلف :

 
الجمعة 27 نيسان 2018


ابراهيم محمود
 
ماالذي كان يريده الراحل رزو أوسي في موقفه من قصص الكاتب حليم يوسف ؟ وهو ينوه إلى لزوم اتباع التالي " علينا أن نكون حازمين مع بعضنا بعضا" في النقد "، وليس عنيدين مع بعضنا بعضاً ."؟ جوابه " مقصد الكلام، هو ألا يجامل بعضنا البعض الآخر، ألا يصفّق له زلفى، ألا نرمي كتاباتنا في بحار بلا قرار، ألا نزج بأنفسنا في زنازين مجهولة، إنما أن نتناول نتاجات بعضنا بعضاً بجدية كاملة.ص114 ". إلى من يوجّه هذا الكلام ؟
ربما كان الجواب المباشر: إلى أي كان، وليس أياً كان!


مقصدي من الكلام أيضاً، هو أنه من حيث المبدأ، يمكن أن يكون قول كهذا برنامج نظر" في التفكير " وعمل في التدبير طبعاً ، فلا يكون ظالم ولا مظلوم، إنما اعتدال الجميع.
على مستوى تدبُّر النص، ثمة مشكل يتعرض له أوسي، من خلال موقفه من سؤال طُرِح عليه، كما طرِح على آخر وهو كيفية تقييمه لقصص حليم يوسف، في ريبورتاج لقناة MED التلفزيونية الكردية في الشهر الرابع من عام 1998، كان معدّاً من قبل حليم يوسف، واختزِل جهده هناك، فأراد أوسي عرض فكرته بالكامل، ربما توضيحاً لموقف لم يُرَد له أن يساء فهمه.
وكان السؤال المطروح عليه وعلى آخرين " كيف تنظر إلى كتابات حليم يوسف وتقيّمها؟ ".
ما يلاحَظ هو أن الموضوع حصِر في النطاق السياسي، لا بل والضيّق منه كذلك، وقد حاول أوسي " إضاءة "هذه النقطة، حيث القضية الكردية أوسع وأعمق من كل ذلك." ص 113 ".
في المختصر المفيد، كما يقال، تُرى، كيف حدَّد أوسي موقفه من قصص يوسف؟
أوسي يتعقب نماذج من قصص يوسف، وهو يتساءل عما تكون عليه الحداثة، مفصحاً من ناحية عن اختلاف وجهة نظره، ومن موقع النقد عن رؤية يوسف، باعتباره كاتباً، وهو محق، حيث ينظَر في الشكل بشكل لافت، لكنه من ناحية ثانية، يختزل في المقروء، وفي الوقت الذي يتجاهل البعد السياسي، لا بل والإيديولوجي للبنية القصصية لدى الكاتب، حيث أوسي يكتب بمنطق المتهكم هنا" أهو كثير، إذا كان هناك عنصر جديد، منذ ثلاثمائة " منذ أيام أحمد خاني " يضاف إلى عناصر الحياة، عند الكرد، أي تصبح العناصر خمسة وليس أربعة!!!"، وعلامة التعجب لا تخفي سخريتها، ليطرح السؤال مجدداً " تُرى، أهذه هي الحداثة، بحيث نضيف عنصراً جديداً إلى عناصر الحياة...التراب، الماء،الدم، النار، الهواء...ص 115 ".
ربما كان المطلوب من أوسي أن يتوقف ملياً عند هذا العنصر المبتدَع أدبياً والمساءلة حوله بعمق: ما صلة هذا العنصر الجديد بمجمل كتابات يوسف حتى زمانه؟ ألم تكن في بنيتها تلك استجابة لنداء الدم، بالنسبة للتنظيم السياسي المنخرط فيه حتى ذلك الحين عملياً وعقائدياً؟
ولكي لا يظلَم أوسي فيما أشيرَ إليه، فإنه أفصح عن هذا المحك المخِل بعملية الإبداع، وهو في موقع تنظيري أيضاً " في موضوع النظرية، لا يُبحَث في القضية الكردية حصراً من الناحية السياسية، إنما يُبحَث فيها من النواحي التاريخية، الاجتماعية، الاقتصادية، القومية، اللغوية والمعرفة اللغوية كذلك.ص113 ".
قول في منتهى الدقة وفي موقعه العملي المناسب، سوى أن محذور الناقد بقي أقرب إلى التعليق في الهواء، رغم كامل الحرص على لزوم " تهوية " النص، والنظر إليه من جهات شتى.
لقد فات أوسي الكثير في علاقته بالبنيان الإيديولوجي للكتابات تلك، بنيان لا يخفي ذلك الحراك الجمالي في نسج العبارات وتسلسلها، لكن الدمغة جلية بخاصيتها السياسية التي تحصر المعنى في المبنى، ولهذا، يكون الشكل طاغياً، جرّاء الاستغراق النفسي والذهني بالفكرة الفاعلة فيها، هذا إلى جانب ذلك التوتر العالي في علاقة الموضوعات التي يتعرض لها من زاوية تهكمية، وهو يعرضها قصصياً، وما لها من صلة مباشرة أحياناً بوجوه تعايِن فيها نفسها شخصياً.
أعني بذلك، أن خامس العناصر شكَّل في ذلك الوقت مدخلاً قويماً لتحرّي المغذّيات الفكرية، ومن ثم النفسية للكاتب، وربما كان في مستطاع أوسي لو أن انفتح على مغزى العنصر، أن يلتقط الكثير من المؤثرات المحيطية، وحتى على مستوى جمالي في الحراك النصّي ليوسف، سوى أن أوسي، وجرّاء قِصَر نفسه، وغواية التهكم الذاتية، فوَّت على نفسه فرصة المكاشفة.
وفي وسع دارس نصوص يوسف مكاشفة هذا الوضوح اللافت، والانشغال بما هو مؤثر في نصوصه المختلفة، وحتى كتاباته الأخرى التسفيهية لما هو مختلف عن توجهاته، وحتى في محتوى كتابته عن الرواية الكردية، وتأثير " فورة " الدم في تلوين هذه الكتابات، وكيف يتم توظيف الخيال وجمالية الإيحاء في ابتداع الموضوعات التي تتوَّج بالدم قليلاً أو كثيراً.
فثمة قاعدة لغوية في الصرف والنحو وطريقة التعبير يحددها أوسي لمنقوده، إلى جانب تصوره الفكري عن الحداثة بالذات، وهنا يكون الافتراق، كما لو أن هناك لغة نموذجية يمكن أن تصل ما بين ناقده ومنقوده، وتنير مفهوم الحداثة بالمقابل، وهذا يقلّل- بالتالي- من مفهوم/ لقب " الأستاذ " ومحتواه بالنسبة ليوسف، طالما أنه " يردم " جلّ ما أفصح عنه للاسويته.
وبذلك، لا تعود تلك الكلمة المنقوصة التي هي أشبه بذر الرماد في العيون بكافية، تلك التي تشير إلى امتلاك يوسف لبعض من أثريات الحداثة، لكنها مثقَلة بالكلاسيك " ص 116 ".
إلى جانب ما يقوله، وهو ينوّه إلى الملاحظات، وهي أكثر من كونها ملاحظات في عدْمية الرؤية الفاعلة إلى الآخر والحوار معه " رغم هذه الملاحظات، أعتقد أن الأستاذ حليم يوسف، سوف يكون له شأنه في المستقبل، حيث يطوّر كتاباته صوب بناء حداثي، وسيجد له موقعاً لافتاً في نطاق أدب شعبه.ص 117 ".
أي من جهة التوافق بين حدة الإقصاءات لمفهوم الحداثة لدى يوسف، ومختتم القول ما قبل الأخير، كما في المقتبس المذكور. الحداثة بدورها إذاً، خلافية على مستوى صراع المواقع !
إن من يقرأ قصص يوسف، وصلتها بالواقع اليومي، وحتى رواياته، سوف يعاين هذا الحبل المشيمي، مهما كان الموقف منه، مع التأكيد على حضور المحفّز الأدبي المؤدلج، وكيف يجري تحويره لمشاهد وحتى أسماء أو وقائع، وبسخرية تقلّل من البعد الجمالي فيها، كما لو أن الكاتب ينقسم على نفسه، ويصبح جانب منه في موقع الناقد، أو المزاحم للأديب فيه، وما في ذلك من تلذذ بالوصف ومسوغه النفسي بالمقابل، وما في الوصف من قلق المعنى وحقيقته، وهذا من شأنه، على صعيد آخر عدم تجاهل حس المغامرة لديه، حس لا يتوقف على مجرد الشكل، بالمعنى الذي قصده أوسي، أو أنتقده وتهكمه على الحداثة، لأن إشارة ما أحياناً تحرّك ساكناً، وما في هذا الملمح من هز القناعات، كما في مجموعته القصصية " الرجل الحامل ".
يمكن لقارىء كتاباته التهكمية ومراميها من المختلفين معه أن يقارن بينها وعوالم نصوصه القصصية وحتى الروائية، وما في ذلك من توجه يخفِض من مستوى السرد النصي الإبداعي، وأن يتقصى في الوقت نفسه طريقة اختياره لموضوعاته وبدعتها أيضاً، فهي أكثر من كونها شكلاً، حيث إن الكثير من الموضوعات التي تشكل لحمة قصصه تحيل إليها واقعه الكردي، وتبقى زاوية النظر، وأسلوب الرؤية وما يُتمَّس فيها أدبياً أمراً آخر، حيث إن أوسي كان مخلصاً للشكل في القول وليس الفعل، مؤكّداً نظرة تعال ٍ على الكاتب كغيره في الحالة هذه.
مثلاً ، يمكن التذكير ببعض مما أشير إليه، كما في روايته " 99 خرزة متناثرة " والصادرة عن " Peywend ، ستانبول، 2015" حيث إن صلات القربى بين رواياته " من: سوبارتو-1999،التي أثارت ضجة بمضمونها الإيديولوجها ومناخها الاجتماعي، ومعروضها الفكري بالذات، مروراً بـ: خوف بلا أسنان- 2006، وصولاً إلى هذه، وقصصه على مستوى البنية السردية، سهلة التلمس بحضور الملمس القصصي فيها "،نلاحظ منذ البداية، كيف أنه بلسان سارده الروائي يأتي على وصف مشهد قتل رجل متقدم في العمر " كردي أبيض الشعر "، على يد شاب عمره " 24 " عاماً، والأكثر من ذلك " وطول قامته حوالي 195 سم ..ص5 ". هنا يمكن طرح أكثر من سؤال على علاقة كهذه: ما طبيعة معرفة السارد بالقاتل؟ من أين يعرف عمره؟ وما الذي يدفع به إلى التذكير بطول قامته هكذا؟ وما في ذلك من شبهة الدقة، رغم استخدام التقريب، لماذا لم يقل " وطول قامته يقرب من المترين، أو يتعدى الـ" 190 سم " تقديرياً ؟ وما علاقة هذا الوصف بعملية القتل وسلوك القاتل...؟...الخ. إنها أسئلة يمكن أن تسهم في إنارة ما يعتمل في نفس السارد من مشاعر، والرسالة الرمزية التي يريد تبليغها لقارئه.. .
في العودة إلى أوسي، وصلته بالموقف من كتابات يوسف القصصية، لا أعتقد أنه كان في موقع الناقد الفعلي، إنما ما يقرّبه من الانطباعي الذي يبقي النقد في الدرجة الثانية أهميةً أدبية .

الحلقة الحادية عشرة : صنعة التراث، وبدعته في الكتابة :
 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات