القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: «وطأة اليقين» لهوشنك أوسي: رواية ملتبسة الهوية

 
السبت 05 اب 2017


برهان شاوي*

حين تضيق القصيدة بالشاعر، وتتعطّل مقولة النفري الشهيرة: “كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة”، بل وتنقلب على نفسها، لتتحول إلى مقولة تحكم عالم السرد: “كلما اتسعت رؤية الشاعر تفجرت معها اللغة وانسابت الكلمات وفاض الكلام”، عندها سيجد في الرواية الفضاء الذي يمكن أن تتسع لمجرته السردية. وهذا أحد اسرار انتقال الشعراء من فضاء القصيدة إلى فضاء السرد الروائي. ومن هنا، يمكننا أن ننظر لتجربة الشاعر والكاتب هوشنك أوسي الروائية في “وطأة اليقين – محنة السؤال، شهوة الخيال” الصادرة في 380 صفحة، عن دار “سؤال” في بيروت، نهاية 2016.
أذكرُ قولاً للمخرج الياباني أكيرا كوراساوا يؤكد فيه، ما معناه؛ إذا لم يكن لدى المخرج الفنان ما يقوله، فلا يمكنه أن يصنع فيلماً، حتى لو وفروا له كل إمكانيات هوليوود التقنية. 


لكن القارئ حينما يتوغّل في هذه الرواية يكتشف أن هوشنك أوسي قال أشياء مهمة كثيرة.. بل قال أشياء يمكن أن تكون بؤرة سردية مركزية لأكثر من رواية..!.
لكن من جهة أخرى، يمكن القول أيضاً: إن هذه الرواية ستخلق لكاتبها مشكلة حقيقية في الكتابة. فقد أراد لنفسه أن يقول كل شيء، في أي شيء خلال رواية واحدة. وهذا ما سيواجهه حينما يتوجّه لكتابة نص روائي جديد. لأنه بالتأكيد لا يريد أن يعيد الأشياء ذاتها. فالرواية ليست القصيدة.
هل هي رواية أبطال..؟ هل هناك شخصية مركزية تتمحور حولها الرواية؟. لا أعتقد ذلك. هي رواية شخصيات، لكنها شخصيات بطلة؟. بطولة الإنسان العادي وهو يواجه أهوال الحياة باحثاً عن اللحظة الذهبية في الحياة. بينما اللحظات الذهبية تمرّ خاطفة دون أن تلتفت إلى أحد ما!. إنها روايات شخصيات كل منها هو بطل روائي بامتياز. حشد من الأبطال الاعتياديين يذهبون بالنص إلى إيقاع ملحمي. وهنا يمكن القول: أن هوشنك أوسي كان متمكّناً في إدارة حشد الشخصيات هذا كمخرج محترف.
ليقدم رواية دائرية الجغرافيا. فالرواية تبدأ من بلجيكا لتواصل الانتقال الناعم والخفي إلى سويسرا وتونس ومصر وإسرائيل وإسبانيا وأميركا وكوردستان وسوريا والعراق، ثم سوريا، لتعود إلى بلجيكا. هذا التنوع في الأمكنة منح الرواية روحها العالمية والإنسانية. لكن بحركة دائرية. وهذا يقودنا، بدوره، إلى السؤال: هل هذه الرواية عن الثورة السورية كما تمّ التصدير لها إعلاميّاً، وكما تناولها بعض النقاد؟. وأيضا هل هي تصفية حساب مع تجربة سياسية كوردستانية ضمن صفوف حزب العمال الكوردستاني؟، والتي نتابع للكاتب هوشنك أوسي مقالات سياسية حولها؟.
شخصياً، لا أعتقد أن الرواية يمكن تلخيصها بجملة أنها عن “الثورة” السورية بالمطلق. فكون الشخصية الساردة والتي من خلالها يتدفق السرد، وأقصد ” ولات أوسو” ذات انتماء سوري، وهوية كوردية، لا يدفع الرواية إلى مرجعيتها الوطنية، أي عن سورية أو عن القضية الكوردية. ومع ذلك، فأن هذا التوصيف يأتي من خارج الرواية كون، الشاعر والروائي أوسي، هو كوردي من سورية!. أقول ذلك، لأن معاناة الشخصيات غير السورية، ومصائرها في النص، أقوى وأكثر ظهوراً من أية شخصية كوردية، على الرغم من أن الرواية تدخلنا في تفاصيل الثورة السورية. بدليل أن حضور المرأة البلجيكيّة المسنة كاترين دو وينتر هو الحاسم في النص. وكذا جورجينو اندريوتي الايطالي، وكلارا روزنشتاين فالمر الألمانية ورولان بونيوبا الكونغولي، وشارل بنيامين فرهايغن البلجيكي، والغجرية الإسبانية ماتيلدا خوسيه فردريكو رودريغس، ذات الجذور الالمانية. وأقصد، لو توقّفنا عند هؤلاء وأقدارهم ومصائرهم السردية، لما تجرّأنا على القول: إن الرواية عن “الثورة” السورية!.
رواية “وطأة اليقين” تضعنا أمام سؤال التصنيف الروائي. وكذلك سردياً، تضعنا أمام أسئلة متبابينة: هل هي رواية معرفية؟ أم هي رواية سيرة ذاتية؟ رواية في رسائل؟ هل هي رواية وثائقية!؟.
فيها حديث طويل عن العنصرية، ونضال الشعوب من أجل الحرية. وفيها حشد من المصائر الفردية لشخصيات سياسية. كالحديث عن المناضل المغربي الشهير المهدي بن بركة وطريقة مقتله، وحديث مفصل عن الصراع العربي الإسرائيلي، والانتقال من موقف التعاطف مع ضحايا الهولوكوست إلى التضامن مع الفلسطينيين، وعن مصر وجمال عبد الناصر والإخوان، وعن تونس على مدى عقود من الزمان ومحاولات بورقيبة اغتيال معارضيه، والكونغو وكابيلا ونضال شعب الكونغو ضد الدكتاتورية، وتحوّل قادة الثورة إلى دكتاتوريين جدد. وعن سورية “الثورة” وعراق صدام حسين، وغيرها من التفاصيل التي تدفعنا للتفكير بأنها رواية دراما سياسية!.
ولو انتبهنا إلى حواراتها لاقتربنا من التوصيف المعرفي للرواية. فهي تمنح القارئ فيضاً معرفياً وأسئلة متوهّجة!. لكن البناء السردي فيها يضعنا أمام الأسئلة متوالدة، خلاصة الإجابة عنها؛ إنها رواية معرفية. وهي أيضاً، من ناحية البناء افتتحت برسائل حددت مراحل السرد. لكنها رسائل سياسية وليست رسائل وثائقية تأخذ بالخيط الدرامي للأحداث في حالة تصاعد. بل رسائل خطابية وفكرية أكثر مما هي سرد للأحداث. فالحكاية خارج الرسائل. الحكاية مرتبطة بمصير كاتبها!. وكذا الأمر مع خطابات “ولات أوسو” السياسية والفكرية المباشرة، والتي تتكرر أكثر من مرة في نقد بعض مواقف اليسار السوري والعربي، وموقف بعض المثقفين السوريين والعرب الذين اتخذوا موقفاً من طبيعة “الثورة” السورية، ومن هيمنة الإرهابيين والإسلاميين على انتفاضة السوريين. وهذا ما يضع الجانب الدرامي للرواية ونفسها الملحمي في الميزان. لاسيما أن معظم الحديث كان مع الشخص الأفريقي الذي بدأ التعرف على سورية والأدب السوري وادونيس، بعد رزع العضو البشري في جسده، والمأخوذ من جسد المعارض السوري!. لذلك وجدتُ أن خطابات “ولات أوسو” في الرواية هي مقالات خارج النص، قد تعجب البعض، لأنها تصفية حسابات فكرية وسياسية غير درامية وتضعف من جماليات السرد الروائي.. هذه وجهة نظري التي قد لا يتفق معها الآخرون ومن ضمنهم الكاتب نفسه. فتجربة” ولات أوسو” الشخصية مع حزب العمال الكوردستاني بدت وكأنها تصفية حساب مع تجربة سياسية وفكرية عاصفة، ونقد سياسي أكثر مما هو سرد روائي سياسي. فحتى الأحداث التي رويت كانت من باب النقد. أي، من الضفّة الأخرى للنهر، وليست توغلاً في تفكيك عقلية هؤلاء المقاتلين وأحلامهم الصارمة، ونبرتهم العالية، وعصابهم الآيديولوجي. وربما هذا الأمر يسوقنا إلى سؤال جوهري آخر هو عن علاقة الرواية بالتاريخ؟.
بالتأكيد، ليس القصد من التأريخ هنا، الجانب الوثائقي التسجيلي لحقبة تاريخية ما في جغرافيا ما، فهذا ما تقوم به كتب التاريخ ببرودة أعصاب. لكن هوشنك هنا، يقدّم رواية فيها الدراما الإنسانية، النفسية والسياسية، مع التسجيل الوثائقي لأحداث محددة انتقاها ليشكل منها معماره السردي، معتمداً على المقال السياسي المباشر أحياناً والذي يمكن أن نقرأه لحاله بعيداً عن السرد الروائي وأحداث الرواية. وكذلك معتمداً على التحليل النظري الفكري والمعرفي، ذي الظلال الفلسفية. وكذا الإستفادة من المشهدية العاطفية ذات الأطياف الإيروتيكية الأنيقة مع توتر درامي وبوليسي، إلى النقد التاريخي لتجارب شعوب بكاملها.
أي أن رواية “وطأة اليقين” لا تتمحور حركتها الدائرية على توثيق وتسجيل معاناة الشعب السوري والأحداث المأساوية في السنوات الأخيرة فحسب، وإنما هي تسجيل تاريخي وإنساني درامي، هو تاريخ
حضاري وبشري لشعوب مختلفة الأهداف والعادات والتقاليد، لكنها تشترك في الخراب الأرضي والوضع البشري!.
ختاماً، أود القول: إنني حين قرأت عنوان الرواية “وطأة اليقين – محنة السؤال وشهوة الخيال”، وجدت نفسي أمام عنوان يستمد مفرداته من المعجم الصوفي. وكنت أتوقع أنني سأدخل في دهاليز قصص المتصوفة ورواياتهم الشائعة هذه الأيام. لكنني فوجئت بحكاية دائرية لولبية. وما أن انتهيت من الرواية حتى فكرت بعنوان محتمل آخر وهو “محنة اليقين.. ووطأة السؤال”. أما “شهوة الخيال” فمستمرة ومتقدة..لأن هوشنك شاعر مزدحم بالتجارب ومكتظ بالأسئلة، ويعرف كيف يمسك بخيط السرد ليخرج من متاهته الجميلة مُحملاً بحكمة الحياة، وبالأفكار المتوهّجة عن محنة الإنسان في هذا الوجود!.
هوشنك أوسي شاعر دخل عالم السرد الروائي بقوة واحتراف. وروايته إضافة حقيقية للسرد الروائي العربي والكوردي والإنساني.
 
* شاعر وروائي وفنان تشكيلي عراقي
=============
عن الموقع الالكتروني لـ"رابطة الكتّاب السوريين".

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات