القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: عمر حمدي-مالفا- الفنان

 
الثلاثاء 11 اب 2015


د. محمود عباس

   عند بداية طرح جريدة (بينوسا نو) ملف الفنان عمر حمدي على الكتاب والفنانين، نأيت الخوض فيه، لأنني لم أكن على إطلاع كاف به، لكن وبعد نقاشات فيسبوكية، بحثت عنه، وقضيت ساعات أدرسه من عدة نواحي، بينها بعده القومي، فاضطرت إلى الاطلاع على الكثير من حواراته وسيرة حياته، ولوحاته، وما كتب عنه في الإعلام الأوروبي بشكل خاص، فكان لي بعض الردود على مجرى النقاش الذي جرى بين الإخوة، استندت على منطق عدم كمالية الإنسان على الأرض، والفن والآراء مهما تعالت تبقى معرضة للخطأ والنقصان، والمطلق في الأحكام كثيراً ما تخلق الضبابية في الرؤية، وتعيق مسيرة الإنسان، وتؤدي إلى ظهور عوامل التلكؤ في دروب الباحث، وأحيانا تبعده عن الهدف.


  أي كانت الخلفيات، والدروب التي سار عليها الفنان (مالفا) ليبلغ ما بلغه، كشخص قادم من بيئة شبه معدمة، ماديا وثقافيا وفنيا، تجعلنا أن ننقب عنه كذات لم تتخلى عنه الإرادة، ولم يخمد تصميمه على بلوغ أو تحقيق طموح كان هاجسه اليومي، كافح لتنميتها وسخر جل طاقاته لبلوغها، حتى عندما بلغ مدينة فيينا، حيث يعيش، أصر أن يقضي ساعات في طبيعتها لينسخها بطرق متنوعة، مثلما كان يفعلها قبل ذلك بسنين في البيئة والأجواء الكردية القاسية. 
    من حق كل ناقد تحليل شخصيته، والنبش في دروبه الفكرية، مثلما هي من حقهم نقد إبداعاته الفنية، فبدمج هذه الأبعاد، حيث كليته كفنان، يصبح النقد أكثر موضوعية. وتقييمه على سويات عدة، مع بقاء جميع المجالات مفتوحة لكل الاعتبارات، ستظهره بشكل أعمق وستتوضح الهفوات والنجاحات التي سايرته إلى أن بلغ الشهرة التي هو عليها الأن. 
 الفنان عمر حمدي، قادم من بيئة كردية نقية، بدم كردي، ومعاناة الكردي، ومثل معظم الكرد أصطدم بجدران النفي، والإهمال، وعلى مر سنواته في الوطن عاش حياة الرهبة وصارع المآسي، لكونه كردي وقادم من بيئة لا اعتبار لها عند سلطات شمولية حكمت سوريا، فرضت عليه تقديم ذاته وخدماته ونتاج عبقريته دون مقابل. ومثل معظم الأدباء والفنانين الكرد الذين مروا بهذا المستنقع الذي خلقه النظامين البعثي والأسدي، تذوق كل كؤوس المرارة، مع إدراكه وإحساسه في شعوره ولا شعوره بأنه يحمل عبقرية، تحتاج إلى البيئة التي ستنبت عليها قدراته، إلى أن كان الحظ، وربما التصميم والإصرار، الذي أوصله إلى الأجواء التي نما عليها عبقريته، وظهرت للعالم مواهبه وقدراته المكمونة، أو أنه تعرف على الدروب الصحيحة لبلوغ البيئة، حيث يمكن أن تنموا العبقرية بدون عقبات الماضي. فالاختيار الناجح بحد ذاته عبقرية حتى ولو كانت تسمى أحيانا بطفرات الحظ.
 يلام الفنان عمر حمدي على آراء وعلاقات ماضية، وتصريحات إعلامية قديمة حول انتماءه، ولسنا هنا بصدد خلفية الإلغاء والانتماء، فهي تحتاج إلى حوار معه بالذات حول القضية التي قدم بها عمر حمدي نفسه كفنان عربي مهمشا كرديته، حيث الانتماء الخاطئ لقوميته، والإشكالية التي تحتاج إلى بحث وتنقيب وتحليل لخلفيات الحدث، ورؤية المقابلة التي جرت معه. ليس دفاعا عنه، فهو فنان غني عن التعريف، لكن من باب التوضيح والمقارنة، هناك العديد من الفنانين والأدباء الذين بلغوا الشهرة، تكتموا أو تنصلوا عن قوميتهم تحت أغطية، منها البعد الجغرافي أو الوطني، معظمهم يتناسون أو لا يدركون أن عملية الانتماء تفرضها نظرية العرق وليست الرغبة، وهي تختلف عن منطق الانتماء الذاتي إلى الدين أو إيديولوجية سياسية. وبهذا المفهوم، هناك أحزاب كردية تلغي القومية في ذاتها، مع ذلك الأصدقاء والأعداء معاً لا يؤمنون بما يقال، وما تكتب وتنشر في أدبياتهم تبين المناقض، وهذا هو بالضبط ما نراه في لوحات عديدة للفنان عمر حمدي تعكس البيئة والثقافة وانتماءه الكردي بوضوح، ومثلها حواراته المتأخرة، وتصريحات بعض أصدقائه المقربين له، والتي تعاكس تماما ما صرح به في الإعلام العربي. 
    وإجمالا، في الفن والأدب، كثيرا ما تختزل منطق الانتماء، فالعديد من الفنانين الكبار والأدباء تعمم نتاجاتهم على الشعوب. وهنا لا نود تسمية الفنان عمر حمدي بالعالمي، لأن المصطلح فيه العديد من المغالطات والكثير من الاعتبارات، والتي ظهرت على خلفيات ثقافة عدم الثقة بالذات، في شرق كان يطمح اللحاق بالغرب في بدايات القرن الماضي، وكان نتاج التضارب بين الشعور اللاشعور، بين عدم الثقة والطموح، والبارزة على عتبات الصراع الداخلي، فظهور التسمية أو الوصف (العالمي) كان انفراج للنفس النازعة لخلق الثقة بالذات، وعليه أصبغت شعوب الشرق الصفة العالمية على الفنانين والأدباء الذين تجاوزوا جغرافية أوطانهم، بغياب هذا المصطلح في الغرب.  ومعظمنا يعلم أن بيكاسو بقي إسبانيا وتولستوي روسيا رغم تجاوز فنهم كل الجغرافيات. ومالفا، على سوية عدة اعتبارات تجاوز فنه جغرافية كردستان والشرق الأوسط، ولا يستبعد أن تكون من أحد الأسباب التي شد إلى التذكير بالبقعة الجغرافية حسب مسمياتها، أو لتفتخر الجغرافية العربية به، وتعتبر في مجالات ما هفوة في الواقع القومي الكردستاني.
    محاولة معرفته كفنان، من خلال النت، ودون حضور معارض له، تبقى ناقصة، لكنه ومع ذلك، ومن خلال سطوع لوحات عديدة، يفرض ذاته كفنان تشكيلي إلى جانب تجاوزات على هذه المدرسة، في بعض أعماله، ويتحرك بشكل عام ضمن بيئته القومية، مع تجاوزه جغرافية كردستان والشرق، والعديد من مواده مستسقاة من عوالمه الكردية، رغم أنه كأي فنان أو أديب، غير ملتزم، وحر بما يختار، لكن لوحاته تعكس الأعمق من حديث شفهي على الإعلام. مع ذلك، ومن حيث مجال الانتماء، تبقى القومية غير الدين، ويعرف في المحافل الفنية الدولية كفنان كردي عند التعمق في انتماءه القومي. وعلى الناقد أن ينتبه إلى عوامل عديدة عند تقييم الفنان عمر حمدي، فمثله فعلها أمير شعراء العرب أحمد شوقي الذي كان يتكتم على كرديته، ولم يذكر عن أبويه الكرديين إلا مرة واحدة، وغيره كثيرون. لا شك عندما تنعدم جغرافية الانتماء يتزايد التشتت والتمزق النفسي والثقافي، والملام هنا ليس هؤلاء العباقرة، ومنهم مالفا، بل الذين كانوا سبباً في ضياع كردستان وثرواتها الفكرية مثل المادية. وفي الواقع إنها قضية لا يمكن حلها من خلال دراسة نفسية فنان واحد، بل تحتاج إلى جملة من دراسات شاملة لنخبة من الفنانين والأدباء الكرد، الذين معظمهم يعيشون مرارة التشتت الجغرافي ومآسي الصراع، والمعاناة اليومية بكل أبعاده.
    نفي أصل الذات لغاية، لها عقوبة، والعقوبات عند المثقف متنوعة، وهي لا تندرج في خانة العقوبات السياسية أو الأمنية أو نفيه من المجتمع بكليته، ومعاتبة عمر حمدي بهذا المنطق، غير قويم، وستفهم بأنها محاولة للتعتيم عليه اجتماعيا وقومياً. وهو المصنف بين العشرة الأوائل من الفنانين التشكيليين على الساحة العالمية، ومن الخطأ عرضه مجردا من الانتماء القومي، علماً أن التذكير بعرقه دارج في كل الأوساط، جينات لا قولاً، حيث الغاية المهمة، لتبيان أن العبقرية تنتمي إلى الكردية. نقول هذا حتى ولو كان فيه الكثير من العنصرية، والتمييز العرقي، وهو ما لا نحبذه ثقافة، لكن لمجريات الحديث عرضناه مثلما يذكر البعض انتماء صلاح الدين إلى القومية الكردية، أو الموسيقار زرياب، أو أحمد شوقي. ولتبيان الخلفية التي تتحكم في مالفا الفنان المشهور عالمياً، الدم والعرق وليس القول والرأي والاختيار، وبينهما أبعاد مثل الخلاف على الانتماء الديني أو العرقي، وهو ما ذكرناه آنفاً.
  عمر حمدي لم ينكر كرديته، بل لربما انتمى إلى الجغرافية العربية، لغاية أو رضوخ؟ وبلهجة عربية مكسرة، وهو حتى الآن لا يتكلم العربية بلهجة صافية، وتحدث عن قربه لقوميته وكأنها يقظة فنان ينتبه إلى ذاته المشردة، أثناء الحوارات العديدة التي أجريت معه في معرض السليمانية، ومن بينها حوار جريدة بينوسا نو والمنشور في العددين الثامن والتاسع والثلاثون. أعرض هذه وليتنا لم ندخل في الجزئيات. فالبحث في قضية الفنان عمر حمدي كغيره من الكرد المشهورين، ستبقى ناقصة إذا لم تدرس خلفية الرجل الثقافية والاجتماعية ومسيرة حياته، ودراسة أعماله ولوحاته وعن ماذا تعبر. فلقد لاحظت وبعد التمعن في العديد من لوحاته، أن بعضها تعكس التقاليد الكردية بدقة حتى ولو كانت تعكس أفراد من عائلته، خاصة تلك اللوحة التي تعكس امرأة بلباسها وكوفيتها الكردية الخاصة بالمنطقة الغربية لغربي كردستان مع عنجهية وشموخ. 
وضمن هذا المجال نقدم جزيل الشكر لجريدة بينوسا نو على الملف والحوار السابق الذي قدمه الشاعر لقمان محمود، والذي يستحقها الفنان عمر حمدي، ونشكرها على فتحها في كل عدد ملفا عن الفنانين الكرد وأدباءهم، وليت الجميع يشارك فيها حسب رؤيته، وكحركة ثقافية نجدها مساهمة قيمة، ولا شك كل اسم سيكون له داعميه ومنتقديه، والديمقراطية والفكر الحر تظهر هنا في النقد ببعدية السلبي والإيجابي.
 وبالتأكيد لجريدة بينوسا نو غاية، فلها خطها ومسيرتها وهدف من معظم موادها المطروحة. من المهم وفي مثل هذه المواضيع الحساسة، والتي تهم الحركة الثقافية أكثر من غيرها أن نكون أبعد رؤية وأوسع تحليلاً لمجريات القضية ليس فقط في واقع الفنان عمر حمدي بل وفي غيره حاضراً وماضياً، هو وغيره من الفنانين أو الأدباء الكرد حتى ولو تلكأوا في دروب أو أخطأوا، لواقع مفروض أو لحظة شاذة، أو لغاية كانوا يخططون لها وبلغوها، قد تكون الشهرة، أو ما شابه من الأسباب، فمن واجب الحركة الثقافية الكردية تكثيف جهودهم لتنوير الطريق لهم بطرق متنوعة، وإعادتهم إلى حيث يجب أن يكونوا، وهم في القمة قبل أن يندرجوا ضمن التاريخ، وتأتي الأجيال وتبحث في جيناتهم وأعراقهم، كما نعملها الآن وننقب في تاريخ عظماء يقال أنهم كانوا كرد، ومن بينهم سلاطين وخلفاء وقادة وأدباء كبار كتبوا باللغات الأخرى... 
   من المهم أن تعمل الحركة الثقافية الكردستانية قدر المستطاع على الاقتراب وتقريب الفنان المعروف عالميا عمر حمدي، وعرضه ككردي وهو في قمة عطاءه وحيث الشهرة. ومن واجب الحركة الثقافية تذكيره وغيره من الفنانين والأدباء الكبار بواجباتهم القومية خاصة عندما يبلغون المراحل العليا من الشهرة. فمهما ارتفع الفنان أو الأديب يبقى إنسان، بشعور وإحساس، فإذا عزلوا عن مجالهم الفني أو الأدبي يصبحون كأي إنسان عادي. وعليه فمن الجميل إلقاء الضوء على الفنان الكردي عمر حمدي-مالفا- عند كل فرصة سانحة، وتذكيره الأن والتمني له بالصحة والشفاء والعودة إلى عطائه الفني القيم. 
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
30/7/2015

نشرت في جريدة بينوسا نو العدد(39) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات