القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: رواية لكاتب فرنسي تتنبأ بوصول رئيس مسلم إلى الأليزية.. مشكلة ديمغرافيا الإسلام في أوربا مرة أخرى

 
الأثنين 12 كانون الثاني 2015


إبراهيم اليوسف

لم تمرّ أحداث 11 سبتمبر2001 على نحو عرضي، وإنما راحت ترسخ في ذاكرة الغرب صورة نمطية عن الإسلام، والمسلمين، ليس من خلال ما حققه النص من تفاعل حضاري، عبر قرون، خارج لحظة إنتاجه،  كما يقومه المفكر الإسلامي وهو يربط بين رؤاه، وأسئلة اللحظة، وما أحرزه من اجتهاد، وإنما من خلال ما ألحق ببرج التجارة العالمي في نيويورك، و ما تبع ذلك من تراجيديا، وبلورة مفهوم الإرهاب، إذ بات يأكل حاضنته، كما يطرأ عادة لمربي الأفاعي في الأسطورة التراثية الكردية، وقد ارتفع الخطُّ البياني للتوجس من الإسلام إلى أعلى درجاته، ما جعل الغرب نفسه يرتبك في كيفية التعامل معه،


 إذ لابدّ من شروره، وإن أراد تحويل أحد أبرز ساحات الربيع العربي إلى حقل تجارب للتخلص منه، مادام التنظير لهذا التفاعل قد عرف على نحو واسع، إذ لا ضير أن يمضي الشر ونقيضه، باعتبار أن نقيضه هو الآخر يحمل شيئاً من بذرته، وهو حكم مجحف، لاسيما إذا علمنا مدى حجم الأذى الذي يصيب الأبرياء في أحد المختبرات المنظورة لهذا التطبيق الغربي، الذي جاء متقاطعاً مع آلة الاستبداد، وحاضناتها المتعددة، لهذا الداعي المنفعي أو لسواه.
ومن يعد إلى ذاكرة الغرب، فإنه يجد أحداثاً جدّ أليمة تتوغل فيها، قبل وبعد تلك المحطة الاستهلالية في العقد الأول من القرن الحالي، بل أن سلسلة أحداث مماثلة، من حيث بعدها الدموي، العنفي، ومنشئها، باتت تتعرض لها على أيادي الظلاميين الذين نشؤوا على الفكر المتطرف، ونهلوا من معينه،  وباتوا يتمظهرون في الزّي الإسلامي، معتمدين حرفية النص، في تفسيرات جامدة، ليزيدوا امن تشوهات صورة هذا الدين في نفوسهم، لاسيما أن لها بعداً زمنياً يعود إلى زمن ما اصطلح عليه بالفتوحات، بل وما قبل الحروب الصليبية، وما بعدها، وليس انتهاء بزمن الاحتلال الغربي للمنطقة، وسقوط مشروعه في الهيمنة، ما جعله يؤسس لحضوره في غيابته، وهو ما بلغ أوجه في زمن دكتاتوريات المنطقة، التي كانت فضاء مناسباَ لإنتاش بذرة العنف الكريه، المنبوذ، بعد توافر عوامل ذلك، ذاتياً وموضوعياً،  وهو ما نراه الآن، في ظل ستارة التطرف المتقطرة دماً، على مساحات واسعة،  تكاد تشمل العالم كله، بما يترافق مع تشويه صورة المسلم، وينظر إليه كقرين للإرهاب، ومرتبط بدورته.
.
لقد أنتجت الدكتاتوريات التي توصلت إلى سدة الحكم، في عدد من بلدان المنطقة، مفردات واقع جد أليم، سوداوي، منفر، بعد أن وصلت إلى مبتغاها، بأجنحة الشعارات البراقة التي سرعان ما تحولت إلى أنشوطات ضيقت الخناق على الرافعة الثورية المؤودة، في طريق توقها إلى صناعة لحظتها، ومستقبلها؛ وباتت توغل في طفيليتها، العنفية، على حساب من نادت بأسمائهم، وهم الجماهير، ما دعا النخب الثقافية، وأصحاب الرأي، والمجوعين" ينفرون في مناكبها"، تغويهم في ذلك مساحة الحرية، والهواء، والرغيف، وهو ما أدهش الغرب، في العقود التي تلت الهجرات الجديدة في النصف الثاني من القرن الماضي، متوهمين أنهم سيستعيدون حالة ذوبان الأجيال السابقة، التي اندمجت في مجتمعاتهم؛ بعد أن سدوا حاجتهم في تأمين ذلك الفراغ الديمغرافي الذي بات كثيرون يقرعون له الأجراس، بعد أن أصبحت المالتوسية" نسبة إلى  توماس روبرت مالتوس 1766-1834     "، قيد التطبيق، بارتفاع نسبة الشيوخ، على حساب الشباب، بل وانعدام الحياة الأسرية التي ينظر إليها، من قبل الشرقي، بقدسية كبيرة، كتجسيد وجداني لغريزة البقاء، التي لم يستطع المهاجرون الأوائل سوى تحقيق نصفها، ويحاول اللاحقون بهم تجسيدها الكامل.
ومن هنا، فإن فيلم" الديمغرافيا الإسلامية"، البعبعي، النَّفيري، الذي جاء بعد عدد من الدراسات الغربية في المجال السكاني، ومن بينها قاعدة البيانات التي أطلقتها مؤسسة كارنيغي للسلام الدولة" 2007وغيرها من الدراسات المماثلة التي راحت تدغدغ مشاعر الغرب، انطلاقاً من الاحتكام إلى أرقام النمو في الغرب، ومنها فرنسا التي يزداد سكانها بنسبة "1/8" فقط، مقابل زيادة المسلمين، لاسيما في ثلاثة مدن رئيسة منها، من بينها العاصمة باريس، حيث تصل  معدلات النمو هنا إلى درجة"8/1"، وهلمجرا، هذا الفيلم الذي لا يزيد شريطه الزمني عن خمس دقائق، وليس فيه سوى بيانات، وخطوط، وكتابات، بات يقرع الأجراس ضد المدّ الإسلامي لاسيما عندما يركز على إحدى مقولات الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي وهو يبشر بتحول أوربا كلها إلى بلد مسلم...!؟
ثمة دعوات  تحذيرية كثيرة، من المد الديمغرافي الإسلامي في أوربا، انتشرت في الغرب كله، ومنها كتاب الانتحار الفرنسي للكاتب اليهودي الفرنسي من أصل جزائري" أريك زمور"  ما شكل فوبيا تجاه الآخر، يمكن وسمه ب" الإسلامفوبيا"، و بما يتأسس على الرؤية الوجودية لجان بول سارتر" 1905-1980  في أن الآخرين هم الجحيم"، وهو ما سيرد في رواية" الخضوع" "سوميسيون" أو "الاستسلام"  التي أطلقت في يوم 7-1-2015" حيث أنها راحت تتناول خطر وصول الرئيس المسلم محمد بن عباس إلى الأليزية في العام 2022، وهو التوقيت بالغ الإحراج، لاسيما أنه جاء  في  يوم  وقوع المجزرة الوحشية التي ارتكبها عدد من الإرهابيين، المتأسلمين،  بحق اثني عشر شخصاً من أسرة تحرير المجلة الساخرة" شارلي إيبدو التي تأسست  في العام 1960"  في قلب العاصمة باريس، وراح ضحيتها كل من الرسامين التشكيليين الأربعة البارزين، وهم " ستيفان شاربوني- جان كابو-  جورج ولينسكي- برنارد فيرلاك   بالإضافة إلى رئيس تحريرها، وعدد من المحررين، ورجل الشرطة الحارس، وراح هؤلاء الملثمون، القتلة، يكبرون، وينادون بشعارات إسلامية، ما أحدث حالة بلبلة كبرى، وحالة روع، وهلع، وغضب في نفوس ملايين الفرنسيين الذين سرعان، ما التقى يمينهم، بيساريهم، تحت قبة الأليزية، مادام أن الخطر عام ويهدد الوحدة الوطنية لفرنسا.
صورة الرواية إعلامياً:
راحت وسائل الإعلام الغربية، بشكل عام، والفرنسية منها، بشكل خاص، تسلط الأضواء على هذه الرواية، قبل صدور مئة وخمسين ألف نسخة منها، ما جعل  الشارع الفرنسي ينقسم تجاهها إلى قسمين: متحمس للرواية، وطروحاتها، ومدين لها، على أنها ملفقة، ناهيك عن التحدث عن التناصات، بل السرقات المكشوفة فيها، إلى الدرجة التي تنطبق على أصحابها كتاب بيير بيار" كيف أتحدث عن كتاب لم أقرأه"، وهو ما قدم هذا الاسم إلى الواجهة بعد أكثر من كتاب له، يبدو خلاله ولعه بالتمايز، أو الاستفزاز، وتناول ما هو مثير، لدواع من الممكن استقراؤها في فضائها الخاص.
استباقات المخيال الروائي:
بعيداً عن استقراء مناخات الرواية، على طاولة التشريح النقدي التي تتطلب أدواتها الخاصة، وهي تطمح إلى التماثل مع رواية"1984" لجورج أورويل" وأفضل العوالم" لأدلدوس هاكسلي" و"  فإن ما  انتشر من أصداء عن هذه الرواية  هو أنها تتحدث عن خطر وصول الإسلام إلى سدة الحكم في فرنسا، نتيجة فرضيات النمو الديمغرافي، كنذير لصعود هذا المد أوربياً بشكل عام، وأن الرئيس محمد بن عباس سوف يفوز في الانتخابات المقبلة على"مارلين لوين" في العام 2022، بعد انتهاء الدورة الثانية للرئيس الفرنسي الحالي    فرانسوا هولاند بعد انتهاء دورة رئاسته الأولى في 2017،  وذلك عن طريق حزب إسلامي،  ما يجعل الحياة تتغير رأساً على عقب، وينتشر الحجاب، وتعدد الزوجات، بل وتنتشر البطالة إثر عودة المرأة إلى بيتها، نتيجة تعاليم الدين الجديد، كما وسيتم هدوء نسبي في فرنسا، وتقل نسبة الجريمة التي باتت تكثر الآن، بالإضافة إلى حديثه عن مآثر الفرعونية في مصر، كحالة نوستالجيا، لذم الحاضر، ناهيك عن ذم الماركسية، دون جدوى  ..إلخ، من أطروحات تم التركيز عليها بشكل استباقي، ويقبل ميشيل الموظف" الاسم الأول  للروائي نفسه!؟" في وزارة الثقافة بالأمر الواقع، بعد تركه لعمله،  وهوالمجسد لسلوكية الشخص المهزوز الغارق في الملذات،  ممنياً نفسه بأكثر من زوجة، بينما المواطن الفرنسي الذي طالما أذعن-من قبل-  عبر الخضوع لسواه، فإنه لن يجد بداً من القبول بالأمر الواقع، وهو حديث قد يلقى الآذان الصاغية، أمام التركيز على وجود بضعة وخمسين مليون مسلم في أوربا، منهم أوربيون أباً عن جد، من أبناء المكان، ومنهم المهجرون، ماسيؤدي إلى نشر اللون الأخضر في هذا المكان، كمرموز إسلامي،  بل أن الرواية تتماس مع ما يدور من خلاف جوهري بين اليمين واليسار، حول الموقف من المهاجرين المسلمين الذين يتم التوجس منهم.
ورغم أن الكاتب قد أشار إلى أنه لا يحمل أي موقف سلبي من الإسلام، في التصريحات الأخيرة التي جاءت على صدى ما تركه صدور الرواية من نقاشات محتدمة، متناقضة،  إذ أن روايته استثارت غضب الكثيرين من المسلمين، نظراً لبعض ما ورد فيها،  كما أن هناك من عدها مجرد سحابة صيف لا يمكن أن تمطر، وأن الكاتب لم يكتبها إلا من قبيل العزف على ما هو استفزازي للترويج لروايته، وإيجاد موقع له بين الكتاب الأكثر شهرة في فرنسا، وأوربا. 
ولعل الكاتب بيليك الذي حصل في العام 210 على جائزة الغونكور، أحد هؤلاء الذين يثيرون  قلق ثيمة وجود المسلم في موطنه، من خلال أكثر من عمل سابق له، ما دعا بعض الجمعيات الإسلامية  في موطنه لإقامة دعاوى قانونية عليه، برأته المحكمة إثرها، و هو ما يظهره، وكأنه  مهجوس بمشاطرة الآخر/المسلم، فضاءه، الأمر الذي يجد صدى لا بأس به، عندما نعود إلى الذاكرة القريبة، مستقرئين ردود الفعل الكبيرة تجاه السفور، أو غيره، ما أدى في أكثر من حادث إلى ممارسة الشغب، وحرق المراكب، والمحال، بل وقتل الأبرياء.
الشرق والغرب:
إرهاصات تجدد القطيعة
أجل، ثمة خلل كبير في العلاقة بين الشرق والغرب، بدأت تظهر على السطح، من خلال صعود موجات التكفير، بعد أن كان من الممكن لوسائل الاتصالات الحديثة، وهي تمحو الحدود بين هذين العالمين، أن تمحو بذلك أثر الغبش المتكون لدى الطرفين من بعضهما بعضاً، وتزداد المفارقة حين يكون الظلامي، القاتل، المجرم، قد لقي الحضن الدافىء في الغرب، وتناول من رغيفه، وشرب من مائه، وامتلأت رئته بهوائه، واستظل تحت سقفه، وهو تعميق للتشويه الحاصل، بل محاولة لإقلاق  المسلم، المعتدل، المندمج، أصلاً في مجتمعه الجديد،  الأمر الذي التقطه الروائي ويلبيك، وأشار إليه في أحد أحاديثه الأخيرة.
إن أي تقويم لصورة الشرقي النمطية، في ذاكرة الغربي، وفي ذروة  لحظة  استفزازيتها، يجب أن تتم في مختبر علمي، دقيق، بعيد عن الأهواء، إذ لابد من مساءلة الذات، أولاً، عن سبب هذه الهوة الرهيبة، التي  تفاقمت على حين غرة، وهولن يأتي لتبرئة الآخر، على نحو نهائي، أمام تبكيت الذات، فحسب،  لأن الحوادث الفردية، كنتاج لردود الفعل، أو كنتاج للتراكمات التاريخية، لابد من أن تترك أثرها في ذهن بعض الغربيين، أنفسهم، بيد أن استقراء المعدلات البيانية في هذا المجال تبين مدى تصدعات صورة الشرقي في ذهن الغربي، بل صورة المسلم، والخلط بينه وبين المتأسلم، أو الإسلام السياسي، أو أدلجة الإسلام، من قبل التكفيريين، والظلاميين، وإن كانت فرنسا  مهاد التنوير الأول،  ومن لدن أبنائها انطلقت الركيزة الرئيسة لمبادىء حقوق الإنسان، و الحقوق الطبيعية ذات الأرومة التي وضعها جان جاك روسو وجون لوك و فولتير و مونتيسكيو..إلخ، وهي بعد ثقافي مهم في مخيال الغربي، جعله يجد من يرافع في وجه أية طروحات عنصرية تجاه الغرباء. 

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 7


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات