القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

إعلان حلب حول التراث المعماري العربي والمعاصرة

 
الأربعاء 17 كانون الثاني 2007

د.آزاد أحمد علي
pesar@hotmail.com

   ضمن النشاطات المرافقة لتسمية حلب عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1427هـ  2006م عقدت هيئة المعماريين العرب مؤتمرها الرابع في مدينة حلب تحت عنوان "حلب بين التراث والمعاصرة" خلال أيام 14- 16 تشرين الثاني المنصرم.
   وقد تميز المؤتمر بحضور جمهور غفير من المهندسين السوريين ومن أغلب الدول العربية. إضافة إلى اتساع الحضور، فقد استقطب المؤتمر نخبة من الباحثين وأساتذة الجامعة، مما أعطى لنشاطاته زخماً سواء بالحضور أو المشاركة, وكذلك تميز بمستوى رفيع من النقاش العلمي الذي جرى في مدرجات كلية العمارة بجامعة حلب.

 ما يستدعي التوقف عند هذا المؤتمر بعد مرور حوالي شهرين على انعقاده هو ليس فقط  استذكار نشاطه المميز، وإنما التوقف عند الإعلان الذي خرج عن المؤتمر مؤخرا، والذي يفترض أن يوزع على نطاق إعلاني واسع. وأهمية الإعلان تكمن في أنه أحد أهم الوثائق التي تحاول التأسيس لمنهج علمي للحافظ على التراث العمراني، ويسعى لربطه مع الحياة المعاصرة.
جاء الإعلان من مقدمة وعشر بنود, أغلب البنود تشيد بمدينة حلب نموذجاً حياً للمدن العربية الإسلامية، وتؤكد على حسن اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2006 ومثالاً على تفاعل التراث العمراني فيها مع الحياة المعاصرة. فقد أكد البيان على اعتبار حلب مثالاً يعكس بصدق التحولات التي طرأت على بنية المجتمع الإسلامي.
 وقد ركز البيان على مواضع سجالية ما زالت تحتاج إلى التوقف عندها مطولا, وخاصة اعتبر الإعلان في مقدمته: "أن الحفاظ على التراث العمراني هو جزء من معركة التحدي الحضاري الذي تواجهه المجتمعات العربية والإسلامية, وإن اختلفت الأوجه فالعنوان واحد هو المقاومة".
لذلك بدأ الإعلان مستنفراً مشحوناً بإيديولوجيا المقاومة، وبمضامين سياسية كان بغنى عنها.
 فالحفاظ على التراث المعماري والعمراني لا يتطلب كل هذا الاستنفار السياسي، وزج الموضوع في المعركة, لأن عملية الحفاظ على التراث العمراني والمعماري للمدن القديمة وتوظيفها بشكل معاصر ليست عملية موجهة ضد أحد, بل هو فعل حضاري في خدمة المجتمع, سواء أبناء المدينة ذاتها, أم البلد وبالتالي العالم. ولا بد من أن نذكر بأن أغلب المدن التراثية العربية والإسلامية قد سجلت ضمن التراث الثقافي العالمي, كما أن عملية الحفاظ على الأوابد الأثرية والمدن التاريخية تدعمها مالياً وفنياً المنظمات الدولية وخاصة دول الاتحاد الأوربي، إضافة إلى هيئات أخرى كمنظمة المدن العربية ومنظمة آغا خان. لذلك ليس من الحكمة أن نجعل من هذا النشاط الفني المعماري, وبالتالي الثقافي والجمالي فعلاً مقاوماً كما أشار إليه الإعلان, ولا داعي للنزوع نحو عسكرة الجمال والفن المعماريين وزجها في معركة المصير التي استهلكت الكثير من الطاقات وضخمت النزعات العسكرية وعززت الثقافة الصراعية في مجتمعاتنا ومنطقتنا. ويمكن التأكيد على أنه ليس من صالح التراث نفسه أن يكون طرفاً لا في صراع سياسي ولا حضاري كما يريد له الإعلان.
 وما يلفت النظر في الإعلان أنه ورد في البند رقم /7/ منه: "ويؤكدون أنه ربما وجدنا في هذا الشكل من التواصل الحي – المقصود مدينة حلب – ما يساعد على سد الفجوة السحيقة بين الإرث المبني, والمعاصرة, إذ غالباً ما تكون العمارة المعاصرة بليدة, قبيحة ومدمرة".
 هنا يضع الإعلان التراث المعماري في مواجهة الإبداعات المعمارية والعمرانية المعاصرة التي يصفها بالقبح والبلادة, وبالتالي يحدد الإعلان سلفاً سقف إبداعات العمارة المستقبلية ويوجهها نحو منحى ماضوي, وكأن نهاية الإبداعات العمرانية والمعمارية توقفت عند هذه المدينة القديمة أو تلك،  أو عند زخارف واجهة هذا الصرح المعماري أو الآخر.
 وربط الإعلان العمارة الحديثة "القبيحة"  بالرأسمال المتوحش في البند رقم /8/ من الإعلان حيث ورد فيه: "ويؤكدون أن روح العصر لا تحددها السطوة الفجة للرأسمال المتوحش على قطاع البنيان, والذي يحول العمران والعمارة إلى استثمارات بحتة, لا علاقة لها بالمكان والناس, ولا مكان فيها لأي إبداع إنساني حقيقي . . ."
 قد يكون هذا الموقف صحيحاً في بعض الحالات ولكن لا يمكن التعميم بهذه الصورة المريبة.
فمن الخطأ أن نضع التراث في مواجهة تامة مع المعاصرة وإبداعاتها، وأن نعتبر كل الرأسمال سلبي ومتوحش، ويحول العمارة إلى استثمارات عقارية وحسب، لأننا بذلك قد نخسر التراث والمعاصرة والرأسمال معاً.
فلا يمكن الحكم سلفاً على نهاية الإبداع المعماري العربي والإسلامي وأن نحدد ذروته بما أنجزه السلف المعماري والفني الصالح والمبدع!
وفي هذا السياق وإن تعرضت بعض المدن القديمة لحالات إزالة لبعض منشآتها المدنية ذات القيمة التراثية والفنية لصالح أبنية برجيه غير مدروسة وغير مصممة بشكل مناسب, فإنما يعود ذلك إلى أخطاء الإداريين والسياسيين ورؤساء أمانات ومجالس المدن، والى الدور السلبي لعدد من المهندسين المشاركين في التنظير والتفكير والمساهمة في هكذا مشاريع. وحدث ذلك في ظل رأس مال الدولة بشكل عامً، وبمؤازرة الرأسمال الخاص. وعلى الرغم من أهمية الإعلان وحرصه على التراث المعماري والعمراني وجديته في التناول، إلا أنه يتصف عموما برجحان ما هو عاطفي على ما هو علمي. وربما ما يبرر له هذه الشحنة العاطفية الجامحة  هو أهمية وحساسية الموضوع،  ولإثارة المزيد من الاهتمام والبحث في مواضيع الهوية والمعاصرة على الصعيد المعماري والعمراني، وبالتالي على الصعيد الفني الفيزيائي والحسي.   
----------------------------
دكتور مهندس- باحث وكاتب كردي. سوريا- قامشلي

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 3


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات