القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: جنوح الأحداث في ضوء القانون والمجتمع

 
الأربعاء 08 اب 2012


   إعداد المحامية شهناز شيخه

حين يبدأ الحديث عرضاً في مجلس يضم عدداً من الآباء والأمهات عن حياة الناشئ والصعوبات التي تعترضه,يرى الملاحظ أن أكثرية الحاضرين تشترك فيه ويتبين من المناقشة مدى اهتمام المجتمع في عصرنا الحالي بحياة الناشئ ومشكلاته وما يعانيه الأهل من ذلك فالبعض يقول إنه جيل صعب... والبعض الآخر ينظر إليه نظرة المتألم فيقول إنه جيل يعاني حياة قاسية ويتمنى له التغلب عليها ... وواقع الحال إن الحياة الاجتماعية المعقدة التي يعيشها...من كثرة الحاجات...كثرة الاتجاهات الفكرية ...ث ورة الاتصالات و الإعلام التي تقتحم حياته ...كذلك تعارض القيم وكثرة القيود الخارجية كلها تجعله يعاني تخبطاً حيث أنه غدا أكثر اتصالاً مع شروط الحياة مما كان في السابق وأكثر نزوعاً للانطلاق وكسر القيود أي أكثر رغبة في التمرد ,ففي هذا الجو من التصادم بين شروط خارجية مختلفة ونزعات داخلية كثيرة نلاحظ بروز الجنوح في الأحداث كمشكلة صعبة تواجه الفرد والمجتمع...


 فمن هو الحدث؟وما هو الجنوح؟

الحدث هو الصغير منذ ولادته وحتى بلوغه السن التي حددها القانون للرشد وهي في تشريع الأحداث السوري ثمانية عشرة سنة.
أما الجنوح فهو:سوء تكيف ساهمت في وجوده عدة عوامل وهو سلوك شاذ ينطوي على خطر موجه إلى الفرد والجماعة ويعكس اضطراباً داخل الحدث نفسه وحين يعجز عن التسامي في مواجهة صراعاته فأنه يثور ثورة غير متزنة ويتمرد تمرداً مريضاً هداماً...هذا هو الجنوح إنه طفرة أو هو هروب أو هجوم.وهو يظهر في عدة صور منها:السرقة والنشل-السكر والمقامرة-التزوير والاحتيال-التشرد والتسول-المشاجرة وحمل السلاح-الفحشاء والاغتصاب-القتل وغيرها...
وفي معرض بحثنا عن أسباب جنوح الأحداث والعوامل المؤثرة فيه نلاحظ

 أولا : أسباب متعلقة بكيان الحدث نفسه:
 حيث يرى الباحثون إن شخصية الحدث تحتل المقام الأول في تحديد سبب الجريمة فقد لوحظ أن اضطرابات النمو- العاهات- والانحرافات الجنسية كل هذه العوامل تؤثر على سلوكه الاجتماعي إذا لم تلقى الاهتمام التربوي المناسب فتنعكس على تصرفاته إلى درجة تدفعه إلى ارتكاب الجريمة...أما العامل الوراثي في الإجرام والذي أخذ بحتميته العلامة/لامبروزو/فلا يمكن الأخذ به كفكرة مطلقة لأن هناك عوامل أخرى كالتربية من شأنها ترويض الطباع الوراثية النازعة نحو الإجرام والكامنة في جينات الحدث التي قد يحملها من احد والديه أو من كليهما معاً.

ثانياً:الأسباب الخارجية الاجتماعية والاقتصادية:
وهي البيئة المحيطة بالحدث.... فالفقر الذي يكون حافزاً للنبوغ أحياناً قد يكون من جهة أخرى حافزاً إلى الانحراف والجريمة فسوء الرعاية المصاحب عادةً للحياة الفقيرة من الممكن أن يولّد الانحراف .... هذا الانحراف الذي قد تولده حياة الترف في أحايين أخرى كما قد يظهر في الأسر المفككة ذلك التفكك الذي يحدث إما بسبب الطلاق أونتيجة للمشاكل التي تحدث بين الأبوين بسبب عدم الانسجام أو بسبب وفاة أحد الوالدين وعدم التعويض نفسياً ومعيشياً عن الطرف المفتقد إما لعدم الوعي لضرورة ذلك التعويض أو لمحدودية طاقة الطرف الآخر
أيضا الفراغ و العمل غير المناسب ووسائل التسلية و الإعلام التي قد تصل إلى الحدث بشكل غير مراقب وغير صحيح .
فكيف يمكن حماية الحدث من الانزلاق في مهاوي الانحراف ؟

أولا – وقاية متعلقة بشخص الحدث من خلال :
1- توفير متطلبات الحياة اللازمة لصحة الحدث بدناً و عقلاً و خلقاً و فتح المجال أمامه للحصول على درجة مقبولة من التعليم المهني و النظري .
2- توفير وسائل الرياضة و تقوية الروح الاجتماعية لديه
3- توفير عيادات نفسية تشخص حالات الأحداث المريضة أو اللاجتماعية و محاولة علاجها .
    
ثانياً – وقاية متعلقة بالبيئة المحيطة بالحدث و تتجلى في :
1- رفع مستوى الأسرة والعناية بحالتها باعتبارها خلية المجتمع الأساسية .
2- إنشاء المساكن الصحية بأسعار مخفضة للأسر الفقيرة .
3- ضمان سلامة الأحداث و تنظيم عملهم خارج أسرهم قانوناً .
4- في عصر الانترنت و التطور التقني الهائل ينبغي مراقبة الحدث و مراقبة ما يصل إليه من قبـــل الأسرة و المدرسة بالإضافة إلى مراقبة الدولة و التوجه السينمائي لإنتاج ما يرفع مستوى الأطفال الأخلاقي و الرياضي و الاجتماعي .
5- تقوية أسباب الصحة في المجتمع و إنشاء دور حضانة لأطفال الأمهات العاملات .
أما بعد وقوع الجريمة فيعد المبدأ الأساسي في معالجة جنوح الأحداث مبدأً إنسانيا يكمن في الوصول إلى إصلاح الحدث و ليس توقيع العقوبة عليه فالقانون يأخذ بعين الاعتبار شخص الحدث وليس الواقعة المادية المتمثلة في الجريمة وذلك لأسباب عديدة منها :
1- إن هؤلاء هم نواة المجتمع فإذا فسدت فسد المجتمع .
2- إن عمرهم الصغير يجعلهم ليني العريكة ....فتدابير الإصلاح تؤثر فيهم و تعيدهم سويي البنية وسليمين نفسيا وجسديا إلى المجتمع .
3- إن ملكات الإنسان العقلية والفكرية لا تنضج دفعة واحدة . 

لذا فان اغلب التشريعات في العالم اتجهت إلى :
1- إفراد قواعد خاصة تحكم مسؤولية الأحداث الجانحين
2- التوجه نحو إصلاحهم فلا يمكن استعمال القسوة والتعذيب في معالجة انحراف الحدث كما كانت القوانين السابقة وقبل ما يقارب القرن تتجه إلى التأديب الجسماني للغلام والذي أصبح ملغىً ومستنكرا حتى إن القوانين الحديثة في العديد من الدول أصبحت تحظر ضرب الطفل حتى من والديه و تعرضهما للمسؤولية الجزائية .
3- إن التدابير المقررة لإصلاح الأحداث لا تقابل جسامة الجريمة وليست مقابلاً للفعل المرتكب بل هي علاج وتهذيب .
4- بالنسبة للملاحقة والتحقيق والمحاكمة والتنفيذ فينبغي أن تكون متلائمة وهدف إصلاح الحدث وتهذيبه بصورة مختلفة عما هو مقرر للبالغين .
5- إفراد محاكم خاصة تنظر في شؤون الأحداث ورعايتهم وهذه المحاكم عبارة عن هيئة مؤلفة من الباحث النفسي و الاجتماعي إلى جانب رجل القانون أي مشكَّلة من قضاة متخصصين في شؤون الأحداث وقادرين على سبر أغوار الحدث وبحث حالة وكشف انحرافه وتحديد العلاج الملائم له وتوفير الرعاية الصالحة والتوجيه .

مسؤولية الحدث الجزائية عن فعله المرتكب :
وتكون معدومة قبل سن التمييز الذي حدده القانون السوري بإتمام العشر سنوات  ثم تندرج لتصبح مسؤولية ناقصة حتى إذا بلغ سن الرشد أضحى مسؤولاً مسؤولية كاملة عن الجرم المرتكب حيث يكون عندها مكتمل الأهلية .

مسؤولية الحدث المدنية عن فعله المرتكب:
لقد ذهب القانون السوري إلى عدم جواز رفع الدعوى العامة ضد الحدث غير المميز لكن ذلك لا ينفي حق المتضرر في التعويض وذلك بالرجوع على المسؤول عن الحدث وأساس مسؤوليته يتمثل في إهمال الرقابة وإساءة التربية فلا بد من إثبات ذلك الإهمال بالإضافة إلى إثبات رابطة السببية بين الإهمال والفعل الضار
أما الحدث المميز فيمكن رفع الدعوى العامة ضده وتفرض بحقه تدابير الإصلاح وللمتضرر حق الرجوع بالتعويض إما على الحدث أو المسؤول عنه أو على كليهما بالتضامن

التدابير الإصلاحية المقررة للحدث :
1- تدابير التسليم : إما للوالدين أو الولي الشرعي أو لأحد أفراد الأسرة أو لغير ذويه كمؤسسة  أو جمعية مرخصة .
2- وضعه في معهد للإصلاح
3- وضعه في مركز الملاحظة
4- الحجز في مأوى احترازي
5- منع الإقامة ومنع ارتياد الأماكن المفسدة والمنع من مزاولة بعض الأعمال
6- الحرية المراقبة
بالإضافة إلى هذه التدابير هناك عقوبات مخففة في قانون الأحداث الجانحين السوري فقط في حال ارتكاب الجنايات للذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة حيث أجازت المادة /29/ من القانون المذكور الجمع بين العقوبة وأحد التدابير الإصلاحية أما العقوبة فلا تنفذ بزج الحدث في السجن وإنما إفراد جناح خاص بهم في معاهد الإصلاح .

الحدث والجنس :

يتحدث علماء النفس عن النمو النفسجسمي فإذا كانت الدوافع الجنسية تتدفق في المراهقة إلا إن لها جذورها في الطفولة ولذلك يجب أن تتوفر التربية الجنسية المناسبة من قبل الوالدين فلا تترك له فرصة العبث بأعضائه التناسلية مع الإجابة العقلانية عن أسئلته بقدر ما يستوعب ذهنه فمنعه من المعلومات من قبل الوالدين يجعله يبحث عنها من مصادر أخرى خاطئة وقمعه يؤدي إلى الإصابة في اغلب الأحيان كما يقول علماء النفس بالعصاب النفسي في الكبر .ولعل المناهج التعليمية قد بدأت تساعد الوالدين في التخفيف من العبء الملقى على عاتقهما وذلك بتزويد الطفل بالمعلومات العلمية المناسبة لعمره ومداركه التي تتسع تدريجياً في المرحلة الإعدادية ثم الثانوية حيث يدخل بذلك التدريج إلى عالم المراهقة الحساس المضطرب
إن المراهقة تحدث يقظة جنسية فإذا لم يتمكن المجتمع من حماية المراهق و المراهقة فقد يتعرضان لمخاطر عديدة إذ ربما يتورط الشاب المراهق مع محترفات الدعارة وما يجلبه ذلك من أمراض كما قد تقع الفتاة المراهقة في أيدي القوادين وتجار الرقيق الأبيض .!
فالمراهق يحتاج إلى العون والنصح من الراشدين الذين كثيراً ما يرتكبون أخطاءً تربوية تؤذي مشاعره فيضطرب سلوكه بدل الأخذ بيده لتجاوز هذه المرحلة بأمان
 فالمراهق بالإضافة إلى حاجاته الفيزيولوجية فهو بحاجة إلى العديد من الأمور الأخرى منها الامان... الانتماء...الشعور بالأهمية والاحترام واحترام الذات وهو بحاجة إلى الاستقلال..الى المعلومات والحقائق.....الى الجمال..الى تحقيق الذات فإشباع حاجاته النفسية لا تقل أهمية عن إشباع الحاجات الفيزيولوجية

مشكلات المراهق وعلاجها:

1--قد يعتري المراهق حالات من اليأس والحزن لا يعرف لها سببا فهو طريد مجتمع الكبار والصغار  ويساعد على تجاوز هذه الحالات قبول المراهق في مجتمعات الكبار وإتاحة الفرصة أمامه للاشتراك في نشاطاته وتحديد المسؤوليات التي تتناسب مع قدراته
2-ممارسة العادة السرية ولعل المربين يحسنون صنعاً بتوجيه اهتمام المراهق  نحو النشاطات الرياضية والاجتماعية وتعريفه بأضرار هذه العادة بشرط عدم التخويف الذي قد يخلق عنده عقد نفسية بل بالإقناع والحقيقة العلمية وبإعلاء القيم الفكرية عند المراهق والتسامي بها
3- الانحرافات الجنسية مثل الجنسية المثلية تحدث في أغلبها نتيجة الحرمان العاطفي وعدم تنظيم أوقات الفراغ ويكمن دور المربين بتشجيع النشاط الموجه نحو الفن والثقافة والرياضة
4- قد تشعر المراهقة بالقلق والرهبة في هذه المرحلة فهي لا تستطيع تناقش مع المحيطين بها ما يعتريها من تغيرات فإحاطة الأمور الجنسية بهالة من السرية والتحريم تحرم الفتاة من معرفة كثير من الحقائق التي من المفترض أن تعرفها من الأم أو من المدرسة بأسلوب علمي صحيح بدلا من معرفتها من مصادر أخرى
5-التغيرات النفسية المتمثلة في حدة الانفعال والتقلب والشك في القيم النابع من رغبة المراهق في التمرد على كل ما هو سلطوي في هذه الحالة ينبغي للأبوين والمدرسين أن يتخذوا دور الصديق والاعتراف بالمراهق وتعزيز ثقته بنفسه وبهم
6-الميل لقراءة القصص الجنسية المثيرة ويجب توجيهه نحو القراءة والبحث الجاد في الأمور المعرفية واستغلال نزعة حب الاستطلاع لديه بتنمية قدرته على البحث والتنقيب عن كل ما يخدم فكر الإنسان وتطوره  وكذلك بإشراكه في المناقشات العلمية المنظمة وتعويده على طرح مشكلاته ومناقشتها بثقة وصراحة .
عقدتا إلكترا واوديب   
هما من الأمراض النفسية التي قد يصاب بها الإنسان في المراحل الأولى من حياته حيث عبر /فرويد / وأتباعه من أنصار مدرسة التحليل النفسي عن مرض تعلُّق الفتاة الشديد بوالدها بعقدة الكترا و عن تعلق الفتى بأمه بعقدة اوديب مستعيناً برموز الأسطورة اليونانية وهذه الأمراض تنجم عن خطأ في التربية فحين تكثر الأم من تقبيل ابنها وتدليله بصفته الوليد الذكر الذي يرفع من شأن مكانتها الاجتماعية تضع فيه بذور عدم النضوج العاطفي في حين تنصرف عن ابنتها التي تلجأ إلى استسقاء العاطفة من والدها .
إن نظرية فرويد في تبني الأساس الجنسي لهذه الأمراض تعرضت للرفض من قبل بعض أنصار الفرويدية الجديدة إلى أن انهارت على يد العالم الأمريكي هاري سوليفان .
إذن فهذه الطاقة الهائلة بقدر ما لها من دور كبير في بناء المجتمع بقدر ما يمكن أن تصبح فيه طاقة مريضة هدّامة تهدد كيانه وتصيب العمل والإنتاج بالفقر والتعطيل بدل أن تسهم في دفع عجلة الرقي والتطور إلى الأمام .
فالإنسان حين يختار شريك الحياة عليه أن يدرك بأنه سيشكل أسرة وأن ثمرة هذه الأسرة هي الطفل وأن من أكثر الأمور تأثيراً على ذلك الطفل هي الأسس التي التقى عندها الوالدان فالزواج يخرج منه ما دخل إليه . فمن المدخلات : الاتجاهات العقلية والميول والمهارات والعقائد والآراء والخصائص الشخصية والظروف الاقتصادية والنفسية والثقافية بما في ذلك الحب والقبول فتتولد الراحة والزواج السعيد إذا التقت هذه الاستعدادات بايجابية بين الطرفين , أما الاندفاع دون تفكير هادئ في الحياة المقبلة فهو سلوك طفلي غير ناضج يدفع الطفل ثمن صراعاته .
ولتقييم العلاقة بين الأبوين ينبغي طرح السؤالين التاليين :
1- هل الارتباط بينهما يتوقف على الاتصال الجنسي فقط أم إنهما أيضاً صديقان جيدان .
2- هل الحوارات الدائرة بينهما ترتكز على ذاتيهما فقط أم هناك العديد من الموضوعات الأخرى المشتركة كالثقافة والفن والسياسة ؟
إذن فالوالدان ينبغي أن يكونا مؤهلين لإنجاب ذلك الطفل الذي من حقه أن ينمو كقيمة إنسانية في جوٍّ يكتسب فيه القوّة التي سيواجه بها الحياة .
ولقد نبَّه جون ستيوارت ميل في كتابه / الحرية / منذ وقت مبكر يعود إلى عام /1859م / إلى((إن ميلاد طفل بلا تعليم أو تدريب يعدُّ جريمة أخلاقية ))
فما أكثر المجرمين الأخلاقيين في مجتمعات البشر الآن وبعد قرن ونصف من ذلك النداء !!
المراجع :
- قانون الأحداث الجانحين لعام 1974
-  مكافحة الإجرام –التشريع الجزائي- جنوح الأحداث للدكتور محمد الفاضل
-  الصحة النفسية دراسة في سيكولوجية التكيف للأستاذ نعيم الرفاعي
- سيكولوجية النساء للدكتور عبد الرحمن محمد العيسوي  


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.2
تصويتات: 5


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات