القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: نحن مصابون بداء الأمم.. حديث الجمعة (18)

 
الجمعة 03 كانون الأول 2010


د. علاء الدين جنكو

لو حصرت أخطر النتائج السلبية التي خرجت بها من متابعتي الطويلة لواقع وحال شعبنا المر، لرأيت أن داءً تغلغل في عروقنا حتى بات من أخطر الأمراض فتكاً وتهديداً لمجتمعنا، إنه سرطان الحسد !!
وحتى أدخل في غمار هذه الظاهرة المشينة لابد من بيان معناها حتى يتسنى للقارئ معرفة المقصود به في مقالتي هذه . فالحسد هو : تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم يتحقق للحاسد مثلها.
والمقصود بالنعمة هنا: كل خير حل على الإنسان، سواء كان في المال والحالة الاقتصادية، أو المنصب الجاه والحالة الاجتماعية، أو الشهادة والمرتبة العلمية ، أو الأولاد والذرية ... ألخ


وتكمن خطورة الحسد في أن الحسود يعتبر الخير الذي يحل على غيره شراً لنفسه، وكأن هذا الخير الذي ناله الغير قد قلل من قيمته وهبط بمستواه وخفض من مقامه !!
وكذلك يفرح الحسود في الشر الذي يصيب غيره معتبراً ذلك إنجازاً قد تحقق من قائمة رغباته القلبية !
والحسد من أمراض القلوب ويعتبر من الأشرار الخفية الباطنية، لكن تأثيره على الانسان وأذاه ظاهري، لا يمكن للإنسان التخلص منه إلا بدواء أخلاقي، وهو دواء لا يمكن أن يتحقق إذا كان أساس  تكوينه المادية المجردة عن الروح .
ومن هنا جاءت الشريعة الإسلامية بكل ثقلها لتحارب هذا الداء الخطير من خلال ذمه في القرآن الكريم في خمسة مواضع آخرها وصف الله تعالى له بالشر في سورة الفلق : ( ومن شر حاسد إذا حسد ) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) رواه مسلم .
ولو دخلنا في أعماق الحسود لنتعرف على الأسباب التي دعته لذلك فنجدها :
إما أسباب تتعلق بالحاسد مثل: العدواة والبغضاء والحقد، والتكبر والترفع والطغيان، وحب الرئاسة وطلب الجاه لنفسه، وحب ظهور الفضل والنعمة على المحسود ، والتكالب على حب الدنيا .
وإما أسباب تتعلق بالمحسود مثل : الكبر، وشدة البغي وكثرة التطاول على العباد.
وإما سبب يشترك فيه الحاسد والمحسود مثل : المجاورة والمخالطة .
ولو أسقطنا هذه الأسباب على واقعنا لرأينا أنها حقيقية في توليد الحسد، فكم مقالة نشرت في مواقعنا تتقطر عداوة وحقداً وبغضاً ، تشم رائحة التكبر العفن من صاحبها !!
وكم حالة تفرقة مني به شعبنا سببه حب الرئاسة وطلب الجاه، ويا ليت شعري لو سمعت أن مسؤولاً جلس في داره مرة حتى لو كان سبب ذلك رغبته في أن يكون قدوة لغيره، ولكن مع كل أسف لم نجد ذلك إلا من شخص وجد نفسه خارج إطار ما كان بحسبانه !!
ومن المضحك المبكي تصور بعض الساسة الكرد أن الساحة خالية من الكفاءات وأن واقع الكرد لا تسمح بمثل هذه المغامرات !!
في ظل هذا الواقع لا يكون ظهور الحسد في أشد صوره أمراً عجيباً، فإذا كان رب البيت بالدف ضارباً فما شيمة أهل البيت إلا الرقص .
أما على المستوى الشعبي والشارع الكردي لا يختلف كثيراً عما عليه الساسه، في ظل غياب الوازع الديني، والنصح والإرشاد، وفراغ القلب من شعور المراقبة الإلهية، وإن شئت سميها شعور المراقبة الذاتية ، أو فراغ القلب من سلطة الضمير، فلا مشاحة للإصطلاح في منهجي .
ومع كل أسف تجد هذا الداء قد غاص بمخالبه في أغلب فئات مجتمعنا ابتداء من العلماء ومروراً بالمعلمين فالأطباء فالمحامين حتى أصحاب البقالات والدكاكين في أسواقنا، بل تعدى الأمر إلى تكاسي الأجرة !!
كم كنت أتمنى لو أن بني جلدتي تحاسدوا فيما بينهم في مجالي العلم والكرم وإنفاق المال في وجوه الخير .
إن الأمم الراقية تقوم على أكتاف الرجال الأفذاذ الذين يحملون بين جوانحهم قلوباً عامرة خالية من هذا الوباء المدمر لحياة الأفراد والمجمعات .
ولعلي أقف هنا عند المثقفين ومن حملوا على عاتقهم أمانة الكتابة، أن يطهروا أنفسهم من هذا المرض، فالمتابع لبعض ما يكتب في مواقعنا وخاصة في مجال المناقشات الشخصية، وغالباً ما تكون كذلك، سيجد أن هذا المرض قد نال من الكثيرين، ولهذا لا تخلو بعض تلك المقالات من النميمة والغيبة والبهتان وغيرها من الصفات الانتقامية .
وفي هذا المقام أنبه كافة الإخوة والأخوت الكتاب عدم الانجرار وراء وساوس الشيطان في إثارة الحساسية تجاه الغير، وعدم إفساح المجال أما هذا الداء لينال من أحدنا، وللتذكير فالكتاب هم أمل هذا المجتمع، وهم النبراس الذي يتطلع إليه عوام الناس، وهم القدوة للشباب الصاعد الذي يبحث عن مرشد ودليل له ليخوض معترك الحياة، فكيف سيكون الحال إذا كانت أجسادنا –  كمثقفين –   تئن تحت وطأة هذا الداء الخطير ؟!
والحسد كما أخبر الرسول الأكرام هو داء الأمم، فقد أخرج الإمام أحمد عن الزبير بن العوام رضي الله عنه ،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (دب إليكم داء الأمم قبلكم : الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقه حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفسي بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا أَوَلَا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم) .
ولعل البعض يتساءل عن كيفية العلاج من هذا المرض والداء الخطير ؟
لا يمكن لقلب أن يتخلص من هذا المرض إلا إذا كان عامراً بالخير، وذلك لا يتأتى إلا بتقوية الوازع الديني والمراقبة الذاتية ومحاسبة النفس قبل محاسبة الغير لها، إضافة إلى بعض النقاط التي لا تخفى على أحد مثل: التقوى والصبر والعلم بأن الحسد ضرر على الحاسد في الدنيا والآخرة ومعاندة النفس بالثناء على المحسود، وإفشاء السلام، وتقديم الهدية ، وقمع أسباب الحسد من كبر وطغيان، وتحقير للآخرين وأخيراً تذكر الحساب والعقاب الإلهي .
لو سألتني أخي القارئ عن أسوأ ما أصابنا وكان سبباً في عدم قدرتنا على مواجهة أقدارنا بالشكل اللائق بنا لقلت لك : بسبب ما أصابنا من هذا الداء والوباء الخطير .
ورد في تواريخ اليونان أن ملكاً من الملوك أراد أن يجرب طبع الحسود والبخيل فأمر واستحضر لديه رجُلين أحدهما حسود والآخر بخيل، وقال لهما فليطلب أحدكما مني ما يشاء لأعطيه بفرح، ولكن على شرط أن يأخذ الثاني منكما ما يطلبه الأول مضاعفاً، فتحاورا كثيراً ولم يتفقا على شيء إذ لم يرتضِ أحد من كليهما أن يطلب شيئاً أولاً؛ كي لا يأخذه الثاني مضاعفاً، حينئذٍ أمر الملك أن يطلب الحسود أولاً، فطلب أن يقلع إحدى عينيه، وذلك لكي تُقلع عينا رفيقه الإثنتين، ففضل الضرر لنفسه من حسده على طلب الإنعام من الملك كي لا يحصل عليه رفيقه مضاعفاً.
ومع كل أسف وصل حال بعضنا إلى هذا المستوى بل إلى أبعد من ذلك ، لكنى اتمنى أن لا يحصل إلى حد الحسد في الموت كما قال الشاعر :
أيحسدوني على موتي فوا عجباً                     حتى على الموت لا أخلو من الحسد
ملاحظة : أرحب بجميع التعليقات على هذه المقالة في صفحتي على الفيس بوك

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 2.08
تصويتات: 37


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات