القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: حفيظ عبدالرحمن: حمداً على سلامتك

 
الخميس 02 ايلول 2010


 إبراهيم اليوسف

لكم كانت المفاجأة سارة، وأنا أتصفح الأنترنت في بيت صديقي سيامند ميرزو ، في إمارة عجمان، بعدما كنت ، مساء البارحة، في زيارته، لأجد خبر إخلاء سبيل  كاتبنا الجميل حفيظ عبدالرحمن منشوراً، باسم ماف ، أولى منظمة حقوقية كردية في سوريا، لا يزال حفيظ عضواً في مجلس أمنائها حتى اللحظة.
حاولت الاتصال بأهلنا- في الوطن- للتأكد، حول صحة خبر إخلاء سبيل أبي نوشين، فلم يكن لديهم أي خبر جديد،شاف، سوى أنه قد تمت محاكمته  في اليوم السابق، وأن المحامي استأذن القاضي- كما فهمت- بتقديم إخلاء سبيل له.


 حاولت الاتصال بالزملاء في ماف، فلم أتمكن، من ذلك، إلا متأخراً، حصلت على رقم هاتف محاميه الوديع الذي يعمل بصمت وإخلاص، فأكد لي صحة الخبر، وقال : ربما يكون ذلك خلال الساعتين القادمتين.

 استأذنت أصحاب البيت الذي استضافني، لأقفل عائداً إلى الشارقة، وهو من البيوت الطيبة هنا، التي أرتاح فيها، وأستعين بها، أنى عضت الغربة روحي، كي أتماسك، حاصلاً على توازني، ومواجهاً مهمة موازنة المعادلة النفسية التي لا تستقيم-عادة- إلا بين أهلي، وكتبي، والخلص من الأصدقاء الجميلين هناك، بل الخلص من أبناء مدينتي الذين أكن لهم كل الحب،  وأشتاق حتى إلى من لا أعرف اسمه فيها، سريانياً وكردياً وعربياً وآشورياً،ومن كل أطياف الفسيفساء، الجميل، بمن فيهم شعراؤها، ومجانينها،  وحالموها، وعشاقها،  وتجارها، وساستها،  شباباً ورجالاً ونساء، وأطفالاً، ممن كنت أدأب  ملاقاتهم في الشارع، وأنا أتوجه من بيتي في الحي الغربي إلى مركز المدينة، في "مشواري" اليومي، الذي صار ت مشاكل  "الديسك" اللعين الذي  استفحل،  في السنوات الأخيرة،على حين غرة، تحرمني منه، إلى حد ما.

بعد وصولي الشقة التي استأجرتها، قرب عملي، لأراها أكثر وحشة، بعد أن غدوت وحيداً فيها، منذ أسبوعين، ما يدفعني لملء وقتي خارج دوام العمل، مع  عدد من الأصدقاء، لتبدو لي فوراً مشكلة كبيرة، مع عقارب الساعة التي باتت متجمدة بأكثر في تلك الليلة- وهي  استهلالة سبتمر أو  الفاتح منه- وأنا أعلق عليها كلتا عيني، دون جدوى، الأمر الذي صرت أكتشفه على طريقتي،  كلما غادرت  قامشلي، مدماك الروح، وأسطونها الخالد  .

 قلق  جدعارم  اشتعل في روحي، بدأت أروح جيئة وذهابا في الغرفة التي باتت تضيق حين أريدها تتسع، وتتسع حين أريدها تضيق، و لكأنها تستمرىء التورط في مضاعفة جرعة الألم  التي  باتت أحد الشهود على تعاطيه.

اتصلت ببعض أفراد الأسرة في حلب، قالوا: إنهم أكثر قلقاً مني على حفيظ، والاتصالات باتت تنهال من الأهل والأصدقاء، بعد نشر الخبر الصحفي، وأنه لم يعد يتصل بالأسرة منذثلاث ساعات،   حين قال لهم في اتصاله الأخير: إن إجراءات إخلاء سبيلي بدأت تتم فعلاً.

 طلبت أرقام هواتف من  توجه من الأهل-  قبل الإفطار- وما زالوا،  قاصدين استقباله على الباب الخارجي لسجن حلب المركزي، الذي رأيته فيه بعد أشهر من اعتقاله، خلال الزيارة اليتيمة إليه مع أولاده،  ولكم قالت لي هيئته الجديدة التي فاجأني بها الكثير،مما يكفي لكتابة   سفر من الشعر، والتي ترجمها لي حفيظ، لغة ً، بهدوئه الشاعر الأصيل، وبسالته التي أعترف بها، منهمكاً  في تفاصيل الحديث إلي، في ملابس السجن من وراء القضبان، وهو المبدع الأنيق ،  باذخ الذائقة، كي يلقي عليه كلهم التحية، ما أن مروا بنا، وهم شبان صغار، وكبار، عرف حفيظ كيف يبني جسر الثقة نحوهم كما يبدو:
-         ماذا يلزمك ماموستا؟؟
ليرد عليهم مبتسماً: لاشيء، وهو يكمل حديثه،  ويسأل عن أحوال جميعاً، يذرف الدمع على زميلنا، والأب الروحي لمنظمة "ماف" المناضل أكرم كنعو الذي قضى وهو يقوم بمهمة إنسانية، حين أخبره برحيله الصاعق الذي لا أصدقه إلى اللحظة..؟
لكم كانت غبطتي كبيرة، وأنا أجد أن من راح لاستقباله، يهتف إلي، من الطرف الآخر، ليقول: خذ واحك مع أبي نوشين.!
يا الله، أأصدق،  ما أسمعه؟ إنه صوته هو...!.

ما الذي قلته له؟، لا أعرف، كانت الكلمات تخرج من فمي، دون إرادتي،لأستوي واقفاً، ثم لأجلس، وأنهض،  أهرول بالهاتف في الغرفة، كأني أستجر رائحته، إليها،  لتبدد ما أعانيه من وحشة لا تطاق، بعد أن أدركت أن كل طقوس الإبداع، أنى تهيأت، لا تغني عمن يحبه الإنسان.
 
لمن لا يعرف حفيظ – وهو يكفيه فخراً – أنه  من مناضلي حقوق الإنسان الأوائل كردياً، ومن المبرزين في هذا المجال، على نطاق سوريا والعالم العربي، ودخل السجن لسببين أحدهما نشاطه الحقوقي-  وهناك تفاصيل كثيرة لا  مكان لشرحها هنا- والآخر لاهتمامه بلغته الأم،  تأليفاً وتعليماً،  بل إنه أديب وكاتب، وثمة من تعلموا على يديه الكتابة بلغته الأم التي نبغ بها، وهو شاب، صغير، ليغدو هؤلاء "نجوماً"،  وليقصيه تواضعه عن تقديم نفسه، وعدم  قيامه بنشر إبداعاته، القصصية والشعرية، وترجماته، وهو أحد الذين أسسوا مع  سيامند ابراهيم وسلام داري ورشيد حسو وصلاح برواري مجلة آسو التي  تعتبر مع مجلة زانين إحدى أهم المجلات الكردية المستقلة التي صدرت في سوريا، وانطلقت من  خلال تجربتها- المتزامنة لمنتدى الثلاثاء الثقافي في الجزيرة- أعداد كبيرة من الأسماء الأدبية الجديدة التي  لها الآن حضورها الإبداعي اللافت، بل وكان قبلها عضو هيئة تحرير في مجلة" ستير" التي كان يصدرها اتحاد الشعب، عندما كان عضواً فيه، وهو  بعد في الثامنة عشرة  من عمره!.

حفيظ عبدالرحمن  فوق هذا وذاك مدرب دولي لحقوق الإنسان،  بل  ومراقب  دولي للانتخابات، وقد أشرف على انتخابات برلمان  الإقليم مع آخرين،  وكان بصدد الإشراف على الانتخابات العراقية الأخيرة، إلا أنه تم اعتقاله أثناء متابعته إجراءات السفر مع آخرين، لمهمته الصعبة تلك".....".

حفيظ ، عزيزي،  لقد كانت رسالتك واضحة-لمن حولك- وأنت تؤكد غيريتك، وإنسانيتك، ونبلك،  ونضال الكاتب الصادق من أجل أهله، ومن أجل إنسان بلده-عموماً- لأننا أبناء هذا الوطن ، ومعنيون بكل مافيه من حدائق، وزهور و أهل، وطيور، وسماء، وأرض، وما بينهما، من هواء، وذرات تراب،  مادمنا منحازين للجمال والخير، ضد القبح والشر أياً كانا، لم تكن أنانياً في يوم واحد، بل لقد بددت ثروة أهلك، بل دراستك الجامعية، وأنت الطالب المتفوق، من أجل الكلمة التي تؤمن بها، وما زلت تدفع الضريبة، فلا تأسين من سلوك مغلوب على أمره، قضيت في- أمثلة هائلة- تتابع- مع زملائك- وعلى حسابك راحتك وقلقك  الذود عنه، وعن أهلك وبلدك، دون أن يقوم هو بواجبه المطلوب- ومعذرة عن ذكر الأسماء والألقاب- بينما لا تنشر صحيفته الحزبية مجرد سطر عن اعتقالك، وهو ما لن يثنيك عن مهماتك الإنسانية التي بات إخلاصك لها داعياً لمعاناتك الهائلة، ولا ضير من أن أحد هؤلاء- لم يسأل- عن أفراد أسرتك  الذين كنت معيلهم ومعينهم الأوحد،لأنك كنت وحيد والد وحيد، ولم يزر أحد بيتك، لم يهتف أحد منهم لأسرتك تلك سائلاً عنك،  وبت تعرف أن هناك في المقابل، من يستأهل أن نضيف أسماءهم إلى دفتر العائلة، ممن تابعوا السؤال عنك، من قلوبهم،  وكأنهم  يسألون عن أخ حقيق،   وهم جميعاً يعرفون أنك لم تكن يوماًما- أينما كنت- منتمياً لأخلاقيات  مثقفي النميمة،  الذين يغتابون سواهم،  بل كان حضورك يعني لمن عرفك المثقف الوطني والإنسان، الجاد الذي لا يحتاج إلى مجد زائف، مادام مجده في أعماقه، وعقله، وحكمته.

 حفيظ، عزيزي، ها أنت تعود لتغدو حراً، كما هو شأن روحك العالية، ستصل في صباح الغد إلى قامشليتك الجميلة، وأنا  لست هناك – إلا أن ورودي- ستكون غداً صباحاً في استقبالك، وأنت تطأ أرض مدينتك الحبيبة، هذه، التي أحببتها بكل صدق، ولا تفتأ تترجم حبك الجم، مرة بعد أخرى، ومستعد أن تترجمه ما حييت،  كما تفعل ذلك لكل وطنك من أقصاه إلى أدناه.
ثمة عجوز  ثمانيني-هو والدك- هو وبتحد من أنبل  الناس،  وأنظفهم، ينتظرك، أعرف  أية غبطة سيتعرض لها، ستتفاجأ بأنه لم يعد يسمع الأصوات، قال لي، وأنا أهون عليه أمرك، وهو رجل الدين :
إن كان صار له مكروه، غير السجن، فقل لي،  إنني مؤمن بقضاء الله وقدره..!
وكانت المفاجأة، أنك  بعد ثلاثة أشهر من غيابك، حين تمكنت من الاتصال الهاتفي قلت:
رجاء خبروني ما حل بأبي؟كان السؤال عنه، من أولى أسئلتك.....

أعرف أنك لا تزال مصدوماً، وأنت ترى بيتك في حلب، ليلة أمس،  تتفقد مكان الحاسوب، والمكتبة، تشم رائحة مخطوطاتك التي  انكببت عليها إلى وقت طويل، منحتها عصارة روحك.

 واثق أن قصيدتك الأجمل، ستعيد كتابتها من جديد، وأن كتاب " نوروز" الذي ترجمته وغيره من مخطوطاتك ودواوينك لا بد ستعيد كتابتها، فأنت ذلك الشاعر الذي لن تخوله كلمته، أينما كنت وكانت.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 4.23
تصويتات: 21


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات