القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

الكورد في كتاب المسعودي «مروج الذهب»: مَن «عرب'' إلى ''جن»!.

 
الأحد 02 ايار 2010


  بقلم: صلاح برواري

   حَوَت كتب التراث العربي- الإسلامي الكثير من المعلومات عن الكورد، ما غثّ منها وما سمن. ويحتاج المرء لتوثيق هذه المعلومات والآراء، إلى أكثر من مقال؛ بل إلى كتاب خاص بهذا الشأن.
   في مقالنا هذا، سنحاول تعريف القارىء بما يحويه كتاب تراثي عربي مهم، من معلومات وآراء حول أصل الكورد؛ ألا وهو كتاب "مروج الذهب ومعادن الجوهر" للمسعودي، مع إلقاء نظرة نقدية- تصويبية على هذه المعلومات والآراء، التي يعتورها الضعف، وتفتقد الحجة العلمية، بسبب اعتمادها الرواية الشفهية أساساً لها.


   من هو المسعودي؟: هو المؤرخ والجغرافي والرحالة العربي المعروف، علي بن الحسين المسعودي، المولود في بغداد، من أسرة تنتسب إلى الصحابي ابن مسعود.(1)

   طاف المسعودي الشام وفلسطين ومصر وبلاد فارس والهند وسيلان ومدغشقر وأذربيجان وما وراء النهر (2)، حتى الصين. وأقام في انطاكية ودمشق والفسطاط، وتوفي بمصر في عام 956م.
   له كتاب آخر بعنوان "التنبيه والإِشراف"، إلى جانب كتابه الشهير "مروج الذهب".
   "مروج الذهب ومعادن الجوهر" هو كتاب تاريخي قديم، يقع في خمسة أجزاء. يسرد المؤلف في جزأيه (الأول والثاني) أخبار وتواريخ العرب والأمم الأخرى، منذ بدء الخليقة. أما الأجزاء الثلاثة الباقية؛ فتتناول التاريخ الإٍسلامي منذ عهد النبي محمد، وحتى عام332هـ، وهو عام إتمام تأليف الكتاب.
   صدرت لهذا الكتاب، وبأجزائه الخمسة، طبعات عدة في مصر. فقد طبع في سنة 1283 و1303هـ في بولاق (3)، وفي سنة 1302 و1313هـ في القاهرة، وفي سنة 1377هـ صدرت له طبعة أخرى في القاهرة أيضاً.
   عُني بالكتاب العديد من المستشرقين، واحتوت مكتبات الغرب عدة نسخ خطية منه. وصدرت له عدة ترجمات، كان آخرها الترجمة اليابانية على يد بعض المستعربين اليابانيين.
   الطبعة التي بين أيدينا هي طبعة (بَرْبيه دي مينار وبافيه دي كرتاي)، وتعد صفوة الطبعات. قام بتنقيحها وتصحيحها (شارل بُلا)، وهي من منشورات الجامعة اللبنانية- قسم الدراسات التاريخية. صدر الجزء الأول من هذه الطبعة في عام 1965، والثاني في 1966، والثالث في 1970، والرابع في 1973، والخامس في 1974- بيروت.
   يحوي كتاب "مروج الذهب" الكثير من اللغب والاستطرادات والمعلومات التاريخية، غير الصحيحة، عن أعراق وأروم بعض شعوب المنطقة والعالم؛ مما أفقده الكثير من قيمته العلمية، كمرجع تاريخي وتراثي قديم.
   يذكر الباحث والمفكر العراقي الراحل، الأستاذ هادي العلوي (4)، أنّ المؤرخين الإٍسلاميين قد اعتادوا أن يخصصوا الجزء الأول من تواريخهم لأخبار القدماء من العرب والأمم الأخرى. ولمّا كانوا لا يملكون أية وثائق عن تاريخ هذه الأمم؛ فقد كانوا يلجؤون  إلى أفراد من اليهود، كانوا يستمعون إليهم، ويعدّون ما يخبرونهم به صادقاً لا يحتاج إلى تمحيص!.
   واستمر هذا الحال إلى أن جاء ابن خلدون؛ فوضع مبادىء التحقق من الخبر في التاريخ. ثم سار بعض المسلمين على هذه المهنة اليهودية؛ فأخذوا ينتحلون صفة الرواة، الذين يرجع إليهم الناس في أخبار الأمم. ومحتويات الأجزاء الأولى لمصادر التاريخ الإسلامي مشحونة بهذه الأباطيل.
   وكتاب "مروج الذهب" لا يشذ، بالطبع، عن هذه القاعدة. لكن وقبل التعليق على ما أورده المسعودي في كتابه، عن الكورد، لا بد لنا أن نقف على نص ما جاء في الكتاب، حول هذا الموضوع.
   في الفقرات (1113-1114-1115-1118) من الصفحات (249-250-251)، من الجزء الثاني من كتابه هذا، يذكر المسعودي عن الكورد ما يلي:
   " فأما أجناس الأكراد وأنواعهم؛ فقد تنازع الناس في بَدئهم: فمنهم من رأى أنهم من ربيعة ابن نزار بن مَعَدّ بن عدنان، من بكر بن وائل. انفردوا في قديم الزمان، وانضافوا إلى الجبال والأودية، لأحوال دعتهم إلى ذلك، وجاوروا مَن هنالك من الأمم، الساكنة المدن والعمائر، من الأعاجم والفرس؛ فحالوا عن لسانهم، وصارت لغتهم أعجمية. ولكل نوع من الأكراد، لهم لغة بالكردية (5). ومن الناس من رأى أنهم مِن مُضَر ابن نزار، وأنهم من ولد كـُرد بن مَرد بن صَعصَعة بن هَوازن، وأنهم انفردوا في قديم الزمان، لوقائع كانت بينهم وبين غسّان.
   ومنهم مَن رأى أنهم من ربيعة ومُضَر، وقد اعتصموا بالجبال، طلباً للمياه والمراعي؛ فحالوا عن اللغة العربية لِمَن جاورهم من الأمم. ومِن الناس مَن ألحَقهم بإماءِ سليمان بن داود، حين سُلِبَ مُلكه، ووقع على إمائه المنافقات الشيطانُ المعروف بـالجَسَد، وعصم الله منه المؤمنات أن يقع عليهنّ، فعلق منه المنافقات؛ فلما ردّ الله على سليمان مُلكه، ووضع تلك الإماء الحوامل من الشيطان، قال: "أكرُدوهُنّ إلى الجبال والأودية"(6)؛ فرتبهم بأمّهاتهم، وتناكحوا وتناسلوا، فذلك بَدءُ نسب الأكراد.
   ومِن الناس مَن رأى أنّ الضحّاك ذا الأفواه... الذي تنازعت فيه الفرس والعرب، مِن أيّ الفريقين هو، أنه خرج بكتفيه حَيّتان؛ فكانتا لا تغذيان إلا بأدمغة الناس، فأفنى خلقاً من فارس، واجتمعت إلى حربه جماعة كثيرة، وافاهُ أفريدون بهم، وقد شالوا راية من الجلود، تسميها الفرس "دِرَفش كاويان"؛ فأخذ أفريدون الضحاك، فقيده في جبل دُنباوَند...؛ وقد كان وزير الضحاك كل يوم يذبح كبشاً ورجلاً، ويخلط أدمغتهما ويُطعم تينك الحيّتين، اللتين كانتا في كتفي الضحاك، ويَطرد من تخلصَ إلى الجبال. فتوحّشوا وتناسلوا في تلك الجبال؛ فمنهم بَدءُ الأكراد، وهؤلاء من نسلهم، وتشعّبوا أفخاذاً.
   وما قلنا في الأكراد؛ فالأشهر عند الناس، والأصحّ في أنسابهم، أنهم من ربيعة بن نزار. فأما نوع من الأكراد، وهم الشُّوهجان ببلاد ماهَيْ الكوفة والبصرة، وهي أرض الدينوَر وهَمَدان، فلا تناكر بينهم أنهم من ربيعة بن نزار بن مَعَدّ. والماجُردان وهم من الكنكوَر ببلاد أذربيجان، والهَذبانيّة والشُراة، ومَن حوى بلاد الجبال من الشادَنجان واللريّة والمادَنجان والمزدانكان والبارسان والجَلاليّة والجابارقيّة والجاوانية والمُستكان، ومَن حلَّ بلاد الشام من الدّبابلة وغيرهم؛ فالأشهر فيهم أنهم مِن مُضَر بن نزار. ومنهم اليعقوبيّة والجورقان، وهم نصارى وديارهم مما يلي بلاد الموصل وجبل الجودي. وفي الأكراد مَن رأيهُم رأيُ الخوارج، والبَراءة من عثمان وعليّ رضي الله عنهما".
   إلى هنا، انتهى ما يقوله المسعودي عن أصل الكورد. لكنّ مثل هذا الكلام لم ينتهِ عند مَن جاؤوا بعد المسعودي، من الكتاب والمؤرخين العرب، الذين نسجوا على نفس المنوال!. واليوم أيضاً، نرى الكثير من الكتاب العرب يتغافلون عن الحقائق الأنثربولوجية والفيلولوجية، عند الكتابة عن أصل الشعب الكوردي؛ مُؤثِرين على ذلك، الاستشهاد بأظانين وتخمينات المسعودي!.
   على كلٍّ، لا يمكننا أن نحكم على المسعودي- من خلال كلامه هذا- بالعنصرية أو المُغالاة في القومية والعروبية، كما قد يتصور بعض الذين اطلعوا على آرائه مجتزأة، في هذا الكتاب التاريخي أو ذاك. وسبب ذلك أنّ عصر المسعودي لم يكن عصر قوميّات وعصبية قومية، إنما كان عصر أديان؛ والتناحر بين الشعوب والأمم كان على أساس ديني أو مذهبي. والكورد كانوا في غالبيتهم مسلمين، ولم يكن هناك ما يدعو المسعودي للنيل منهم، أو تشويه تاريخهم والتشكيك في أصولهم وأعراقهم؛ وهو المسلم المتديّن، وسليل الصحابي الكبير، كما أسلفنا.
   ولتبديد أيّ لبس أو غموض، أقول إنّ آراء المسعودي حول أصول غالبية الشعوب، هي نفسُ آرائهِ حول الكورد تقريباً؛ إذ تتناغم كلها ضمن نسق واحد، ينتهي في المحصلة إلى نتيجة واحدة، مؤداها أن كل هذه الشعوب والأمم هي من أصول وأرومات عربية أو سامية!.
   فمثلاً أنّ:
- الفـُرس: من نسل سام بن نوح (ص 278، ج1). وهم، على رأي المسعودي، فرع من إحدى القبائل العربية.
- التـُرك: هم من حِميَر (ص 251، ج2).
- اليونانيون: يذكر عن اليونانيين آراء غريبة ومتناقضة، كما هو شأنه مع الكورد. فهو يقول مثلاً: "... ذكر ذوو العناية بأخبار المتقدمين أنّ يونان أخو قحطان، وأنه من ولد عابَر بن شالخ، وأنّ أمره في الانفصال عن ديار أخيه، كان سبب الشك في الشركة في النسب؛ وأنه خرج من أرض اليمن، في جماعة من ولده وأهله ومَن انضاف إلى جملته، حتى وافى أقاصي بلاد المغرب؛ فأقام هنالك، وأنسل في تلك الديار، واستعجم لسانه، ووازى مَن كان هنالك في اللغة الأعجمية من الأفرنجة والروم؛ فزالت نسبته، وانقطع سببه، وصار منسياً في ديار اليمن، غير معروف عند النسّابين منهم...".(ص5-6،ج2).
   وكذلك: " لمّا نشأ ولد يونان وكثروا، خرج يسير في الأرض، يطلب موضعاً يسكنه؛ فانتهى إلى موضع من المغرب، فنزل بمدينة أثينة ". (ص6،ج2).
   وعن الإسكندر المقدوني يقول إنه قد " ذكرَهُ (تبَّع) في شعره، وافتخر به وأنه من قحطان. وقيل إنّ بعض التبابعة غزا مدينة روميّة، فأسكنها خلقاً من اليَمَن؛ وإنّ ذا القرنين، الذي هو الإسكندر، من أولئك العرب المتخلفين بها- والله أعلم-". (ص9،ج2).
   وفي موضعَين آخرين، يناقض المذكور أعلاه، ويقول إنّ "يونان هو ابن يافث بن نوح". (ص5-8، ج1).
   وله أيضاً آراء غريبة حول أصل الصينيين وغيرهم.
   قلنا إنّ العديد من العلماء والمؤرخين العرب، الذين جاؤوا بعد المسعودي، اعتمدوا آراءَهُ وافتراضاته حول أصل الكورد. لكن كل هذا لا يشكل أساس المشكلة؛ لأنّ أولئك قد نهجوا نهج المسعودي في كتابة التاريخ بأسلوب كلاسيكي، يعتمد الرواية الشفهية أساساً له. وهو الأساس الذي نسفه ابن خلدون في ما بعد.
   إذن، هؤلاء- واعتماداً على منهج البحث العلمي في كتابة التاريخ- لا يجوز تقييم كتاباتهم بمنظار اليوم؛ بل يجب أخذ ظروفهم الزمكانية، وأمور أخرى عديدة بالحسبان.
لكنّ المشكلة هي أنه، وبعد مرور أكثر من ألف عام، على ذكر المسعودي لهذه الافتراضات والاستطرادات التاريخية الوهمية، حول "الأصل العربي للكورد"، لا يزال هناك الكثير من الكتاب والمؤرخين العرب يدعمون آراءهم، حول أصل الكورد، بافتراضات المسعودي تلك، على أنها مُسَلمات تاريخية، لا يرقى إليها الشك!.
------------------------
1- ابن مسعود: هو عبد الله بن مسعود، توفي في عام 32هـ/652م. صحابي، هُذلي، خدم النبي مدة حياته. وهو سادس من أسلم، وأول من جهر بالقرآن في مكة، وأحد المبشرين بالجنة. روى عن النبي.
2- ما وراء النهر: اسم أطلقه العرب على البلاد الواقعة شمالي نهر أمودريا (تركستان الروسية)، حتى أواسط آسيا.
3- بولاق: قصبة صغيرة، كانت ميناء القاهرة على النيل في عهد المماليك والعثمانيين. هي اليوم حي من أحياء القاهرة. اشتهرت بمطبعتها، التي جاء بها نابليون إبان حملته على مصر في عام 1798.
4- من مقال للمفكر العراقي الراحل هادي العلوي، صحيفة (الغد الديمقراطي) العراقية، آب 1989.
5- يقصد لهجة.
6- سليمان بن داود: هو الملك سليمان الحكيم، من بتشابع. ملك إسرائيل نحو 970-935 ق.م؛ فكيف له، وهو العبريّ اللسان، أن ينطق بالعربية قائلاً: "اكردوهنّ إلى الجبال والأودية"؟!.
ملاحظة: قمين بالإشارة أيضاً، أن نذكر أنّ المسعودي قد ذكر في الجزء الرابع من كتابه "مروج الذهب"، أنّ إحدى زوجات الخليفة العباسي (أبو جعفر المنصور) كانت كوردية؛ إذ يذكر في الصفحة (164) ما يلي: "من أولاد أبي جعفر المنصور: عيسى وسليمان ويعقوب وجعفر الأصغر من كردية".

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3
تصويتات: 6


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات