القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مسرح: ( لنرتجل مموزين) مسرحية ساخرة

 
الأربعاء 04 تشرين الاول 2006

 أحمد إسماعيل إسماعيل


                            الإهداء :
إلى جيل يكسر إبهام المسرحية البائسة ذاتها
ويحلق في فضاء مسرح جدرانه العازلة تتداعى
                                                          - 1 -
(المكان: كواليس أحد المسارح المتواضعة ، الممثلان: سالار -شاب في نهاية العقد الثاني من عمره- ونالين- فتاة في بداية العقد الثاني من عمرها- يروحان ويجيئان داخل الكواليس يسترقان نظرات الحيرة والقلق إلى الجمهور الموجود داخل الصالة. الوقت :مساء) .
                            الإهداء :إلى جيل يكسر إبهام المسرحية البائسة ذاتها ويحلق في فضاء مسرح جدرانه العازلة تتداعى

الممثلة : لقد تأخر الأستاذ المخرج !
الممثل : والشباب أيضاً تأخروا !
الممثلة: لقد تأخرنا بالظهور على الجمهور.
الممثل :أنا قلق على الأستاذ وبقية الشباب , لقد طال مكوثهم هناك .
الممثلة :أخشى أن يوقفوا العرض ،بدأ قلقي يزداد يا سالار.
الممثل : تماسكي يا نالين ، من غير المعقول أن يمنعوا العرض والجمهور في الصالة .
           (ينظر من خلال الكواليس نحو الجمهور ) ماذا سيقولون لهذا الجمهور الحاشد .
الممثلة: وماذا قالوا عندما منعوا عرض مسرحية موت الحجل : آسفين يا جماعة،تفضلوا خارجاً ...وبس.
الممثل: لكن حال هذه المسرحية مختلف، إنها ألمانية، يعالج كاتبها كارل تسومايكر موضوعاً حدث في ألمانيا وليس هنا ،وبطله اسمه فوجت وليس سالار !
 الممثلة: (تبتسم بسخرية)..
الممثل: ما معنى هذه الابتسامة ؟ هل تسخرين مني ؟
الممثلة : بل أنت من يسخر مني ، تتحدث إلي وكأنك أمام محقق، وليس أمام ..
الممثل: (بود ) حبيبتك ؟ هل تخجلين من البوح بها يا نالين ؟
الممثلة: (محرجة،تتجه نحو الستارة  وتنظر إلى الجمهور خفية، باندهاش) سالار،الجمهور يا سالار .
الممثل : (ينظر مثلها نحو الجمهور، باستغراب) ما به الجمهور ؟
الممثلة: إنه..
الممثل: إنه يتململ بسبب هذا التأخير.
الممثلة: ( بقلق) أين بقيَ الأستاذ؟ لقد تأخر كثيراً .
الممثل: يجب أن  نقدم العرض هذه الليلة أيضاً .
الممثلة: يبدو أنهم انتبهوا لموضوع المسرحية.
الممثل: (بانفعال) الموضوع ، الموضوع..
الممثلة: وانتبهوا لأدائك دور فوجت بحماس مبالغ فيه.
الممثل: (بعتب) بحماس فقط ؟
 الممثلة: (بود،وإعجاب) وإجادة أيضاً .  
  الممثل: أقسم أني بدأت أنسى حواري .
الممثلة: حذار يا سالار، أنت فوجت : بطل المسرحية ،وأي خلل في أدائك سينعكس على جميع الشباب، وعلى العرض كله.
الممثل: )بقلق) سأراجعه ، ما رأيك أن تراقبي أدائي؟
الممثلة:الآن ؟!
الممثل: نعم، ،سنجري بعض التدريبات على دورينا ريثما يعود الأستاذ المخرج، وبقية الشباب .
الممثلة: والجمهور ؟
الممثل : ما به ؟
الممثلة: إنه ينتظرنا.
( تذهب ناحية الستارة لتسترق النظرات نحو الجمهور)
سالار ، الجمهور يا سالار، إنه..
الممثل : إنه يتململ، لن نستطيع أن نفعل له شيئاً، سننتظر عودة المخرج،وبقية الرفاق.
الممثلة: إنه غاضب.
الممثل: (بابتسامة صغيرة) غاضب؟! لا أسمع هديراً ،ولا ضجة،بل على العكس،إنه غارق في صمته كالعادة .
الممثلة: تعال وانظر فقط.
الممثل):بسخرية) ماذا حدث لك يا نالين؟ تابعي أدائي رجاءً .
          ( يؤدي دوره وهو:  فوجت في مسرحية النقيب كوبينك : لكارل تسوكماير)
 فوجت:أنا لا أهذي ،الإنسان لا بد أن ينتمي إلى مكان ما ، فإذا لم تسمحوا لي بالإقامة هنا، فعلى الأقل أعطوني جواز سفر يمكنني من الحياة بالخارج، فأنا لا أستطيع البقاء معلقاً في الهواء، ولا يستطيع ذلك إلا المعلق في المشنقة.
                 ( تصفق الفتاة له ، يكمل أداء الدور)...
       كل ما أريده هو مجرد سند ،مجرد ورقة ..ورقة أهم ألف مرة من تكويني الإنساني كله، وحاجتي إلى هذه الورقة أهم من الخبز،ورقة أسجل فيها بيتي باسمي أنا وليس باسم أحد آخر ،ودفتر عائلة،فيها اسماء أولادي: الولد الأول. الولد الثاني..الولد الثالث ..الولد الرابع..و اسم زوجتي، زوجة سالار علي
 الممثلة: (بإعجاب وتأثر) أحسنت يا سالار ،ولكن ما هذا ؟لقد خرجت عن دور فوجت
             ( يكمل أداء دوره بعد لحظة صمت قصيرة)
فوجت: ..أنا أريد مغادرة البلاد مرة أخرى ، وأؤكد  لك أنني لن أعود في المستقبل القريب، ويمكنك أن تراهن على ذلك بحياتك ،لن أعود في المستقبل القريب، فقد اكتويت بناركم بما فيه الكفاية (ينفعل) لقد اكتويت بناركم بما فيه الكفاية، بما فيه الكفاية..قولوا لي بربكم إذا كنت قد سجلت بيتي وكل ما أملك باسم رجل آخر فكيف سأسجل زوجتي باسمه؟ كيف ؟
        ( يزداد انفعاله، تصفق له الفتاة)
الممثلة: أحسنت يا فوجت، يا نقيب كوبينك، الآن أيقنت أنك السبب في منع العرض . (تقلده ) اكتويت بناركم بما فيه الكفاية..وهذا الكلام الذي أضفته من عندك .
الممثل : إنها الحقيقة.
الممثلة: أنت تمثل دورك يا صديقي .. وليس دور فوجت .
الممثل : أمثل دوري ؟ هذا صحيح، لو تعرفين ماذا يعني أن يكون الإنسان مجرداً من الجنسية ؟
الممثلة: أعرف ذلك .
الممثل: ربما تعرفين ، ولكن لا يمكن أن تحسي بمعاناتي يا مواطنة.
الممثلة: إنها معاناة الآلاف يا سالار. وستكون غداً معاناة أطفالنا.
الممثل : مساكين، ستكون معاناتهم مضاعفة وهم يحملون هذه الصفة .أو صفة مكتوم يا نالين.
الممثلة: (بتأثر) لقد جعلتنا ننسى الجمهور الذي ينتظرنا في الخارج.
          ( تنظر من خلف الستارة ، تصاب بالهلع بعد أن تلقي نظرة سريعة إلى الخارج)
الممثل : ماذا حدث؟
الممثلة: الجمهور !
الممثل : ماذا حدث له ؟ هل غادر المكان ؟
          ( يسترق نظرة نحو الجمهور ، يصاب بالدهشة والخوف، يتراجع)
          يا إلهي !! 
الممثلة: أنا خائفة .
          (يدخل المخرج )
المخرج: (بعد صمت قصير) لقد منعوا العرض .
الممثلة: والجمهور؟
المخرج: قالوا لي: دبر رأسك ،اصرف الجمهور بمعرفتك.
الممثل: وهل شاهدت الجمهور؟
المخرج: ( بقلق) نعم.
الممثل: ألم تلاحظ شيئاً ؟
          (المخرج ينقل نظراته بين الاثنين بحيرة وقلق)
المخرج: بلى، لاحظت .
الممثل: ما الذي أصابه؟
المخرج :إنه الاحتقان .
الممثلة: أنا خائفة.
الممثل : افعل شيئاً يا أستاذ، اصرفه كما طلبوا منك.
المخرج: لا يمكنني فعل ذلك .
الممثلة :  لنتسلل من الباب الخلفي، ما رأيكما ؟
المخرج: لقد فات أوان ذلك أيضاً.
الممثل:  ماذا تعني يا أستاذ؟!
المخرج: أعني : لا مفر من  إرضاء هؤلاء الناس ، و إلا ستكون العواقب وخيمة.
الممثل: ولكن إرضاء هؤلاء الناس هو أن تقدم لهم العرض .
المخرج : بالضبط.
الممثلة : كيف ذلك يا أستاذ ؟ ألم تقل أنهم منعوه ؟
المخرج : نعم، لكننا لن نقدم هذا العرض، بل عرضاً آخر، أو مشهداً من إحدى عروضنا السابقة.
الممثل : وحدنا ؟!
المخرج : نعم ، وبسرعة .
             ( يفكرون وهم في حالة حيرة كبيرة، المخرج يسترق النظرات نحو الجمهور)
الممثل : ما رأيكما أن نقدم مسرحية رشو داري التي قدمناها العام الفائت في البرية؟
الممثلة : حسن ، مازلت أحفظ دور روشي .
        ( يرتدي كل منهما ما يدل على الدور )
الممثل : روشي، ويحك هل قتلت لاوند  ابن سيدنا ؟
الممثلة : نعم يا زوجي العزيز، ليس سيداً من يريد لرعاياه الذل. 
المخرج : قفا، قفا.
الممثلان :لماذا ؟
الممثل : لماذا ؟ إنها مسرحية تنتقد الإقطاع فقط.
المخرج : ممنوع ، فكرا في غيرها .
الممثلة : لنقدم مشهداً من مسرحية لنمثل مهاباد.
المخرج : (بانفعال) مهاباد يا نالين ؟
الممثل : ولم لا ؟ إنها مجرد مسرحية تاريخية .
المخرج : ممنوع .
الممثل : لماذا ممنوع وموضوعها يعالج حدثاً لا يمسهم أبداً ؟
          ( ينظر نحو الجمهور، يزداد اضطراباً )
المخرج : أوه ، ممنوع ، يعني ممنوع. أما زلت تجهلهم يا سالار؟
الممثلة : وجدتها، ما رأيكما بمسرحية سيامند وخجي التي قدمناها في يوم المسرح العالمي
 الممثل : حلو ، مازلت أحفظ دور سيامند .
الممثلة : وأنا ما زلت أحفظ دور خجي . 
الممثل : لا تقل ممنوع ، إنها حكاية فلكلورية ، وليست سياسية ،(للممثلة ) لنبدأ يا نالين .(يمثل) خجي، لا يهمني أحد، أنا سيامند، سيامند سليفي، لا آغا ،ولا سيد، ولا..
المخرج : سيفسرون تمرد سيامند على الآغوات تفسيراً سياسياً يا صاحبي.
الممثل : والمعنى ؟
المخرج : ممنوع .
الممثل :(بانفعال) ممنوع ، ممنوع ، ممنوع تقديم شيء من فولكلورنا، ممنوع تقديم شيء من تاريخنا، ممنوع تقديم شيء عن حياتنا ،ممنوع تقديم شيءٍ بلغتنا .
المخرج : اهدأ يا سالار، الآن ليس وقت هذا الحديث، نحن في ورطة ، ولا بد من مخرج سريع لها.
الممثل : إذا كنا نريد إرضاء الجمهور، وإزالة احتقانه، فينبغي أن نقدم له شيئاً يخصه.
المخرج : شريطة أن لا يكون سياسياً.
الممثلة : وجدتها.
المخرج : قولي بسرعة .
الممثلة : مموزين .
الممثل : عظيم . مموزين قصة عاطفية مائة بالمائة.
المخرج : (بتردد) مموزين ؟              
الممثل : وهي خالية من الشوائب السياسية تماماً . فاطمئن .
الممثلة : الأميرتان زين و ستي أختا أمير بوطان تتنكران بزي شابين وتهبطان إلى البرية لمشاركة الناس في الاحتفال بعيد نوروز.
الممثل : فتلتقيان صدفة بالصديقين مم وتاج الدين اللذين كانا قد تنكرا هما أيضاً بزي فتاتين وهبطا إلى البرية  في نفس الوقت .  
الممثلة : فيغشى على الشابين انبهاراً بجمال الأميرتين المتنكرتين.
الممثل : ويغشى على الأميرتين أيضاً.
الممثلة : ولكن الأميرتين تنهضان من غشيتهما قبل الشابين، وتستبدلان خاتميهما بخاتمي الشابين .
المخرج : عظيم .
الممثل : وهكذا تبدأ حكاية مموزين . التي جرت أحداثها في منطقة بوطان قبل عدة قرون.
 الممثلة :حكاية عشق تتوج بزواج تاج الدين بالأميرة ستي.
الممثل : وتختتم بموت العاشقين مم وزين .
الممثلة : وقتل بكو عوان حاجب القصر الذي أوغر صدر الأمير أخو زين بالحقد على مم، و فرق بين الحبيبين.
المخرج : حكاية عشق سامية خلدها الشاعر أحمدي خاني في ملحمة شعرية منظومة في ألفين وستمائة وواحد وستين بيتاً .
الممثل :  وقد كان ذلك قبل أكثر من ثلاثة قرون ، وليس اليوم أو البارحة .
المخرج : عظيم ، بقي شيء واحد .
الممثلان : ما هو ؟
المخرج : هذا ملخص حكاية مموزين، فأين هو النص المسرحي الذي سنقدمه؟
الممثل : النص المسرحي ؟!
المخرج : نعم ، أم تريدان أن نقدم تفاصيل حكاية يحفظها جمهورنا عن ظهر قلب ؟
الممثل : لا حاجة لنا بالنص المسرحي يا أستاذ.
المخرج : كيف ؟!
الممثل : سنرتجل .
المخرج : نرتجل مموزين ؟ !                  
 الممثل : نعم ، سألعب أنا دور مم.
الممثلة : وأنا سألعب دور زين .
المخرج : شي حلو ،لم يبق لي سوى أن أؤدي دور بكو عوان .
الممثل : تماماً.
المخرج : ولكن..
الممثل : بلا لكن أستاذ، هل نسيت الجمهور؟
المخرج : (بتردد) أمري لله ،اتفقا على الخطوط الرئيسة ريثما أعدَّ ديكوراً مناسباً للمسرحية الجديدة. أقصد: هذه المغامرة. 
           ( يعد المخرج الديكور الجديد على الخشبة، فيما يتحاور الممثلان:سالار ونالين بصوت
             منخفض )   
- 2 -
 (المكان : حديقة مدينة جامعية، تجلس فتاة في العقد الثاني من عمرها على أحد مقاعد الحديقة، يقترب شاب منها بتردد وهو ينظر إلى ساعته، يحمل وردة حمراء بيده ، يقترب من الفتاة بعد أن يتأملها بنظرات الوله. الوقت: صباح يوم من أيام آذار.)
مم: صباح الخير .
زين: (تلتفت نحوه بلهفة)مم ؟ (بضيق مصطنع) لقد تأخرت كثيراً.
مم: إني أعتذر  .
       (يقدم لها الوردة، تستنشق عبيرها بهيام)
زين :  شكراً مم.
مم: (بهيام) مم !!  يا الله .. قوليها مرة أخرى يا زين.
زين: (بدلال) مم.
مم: مم !!  يا إلهي كم أعشق هذا الصوت الملائكي.
زين: (بحياء) مم.
مم:و هذه الابتسامة المشرقة، و هذه العيون الحوراء، و هاتين اليدين البضتين، و..
         (يقترب منها حتى يكاد يضمها، تبتعد الفتاة عنه)
زين: كفى يا ممو.
مم: ممو !!  ما أجمل اسمي وهو يخرج من فمك معطراً بأنفاسك. يا رب أدمها نعمة اقرصيني يا حبيبتي. اقرصيني يا زين.
زين: (بعتب رقيق) مم؟!
مم: اقرصيني كي أتأكد من أنني لست في حلم يا حبيبة.
زين: اطمئن ، نحن لسنا في حلم، بل في واقع حقيقي يا حبيبي.
مم: واقع أجمل من الحلم، وأعذب من الخيال، وأرق من الأنسام.
زين: وأخيراً، وأخيراً تحقق حلمنا يا مم.
مم: من كان يصدق أن هذا الحلم سيتحقق يوماً ؟!
زين: حبنا خالد لا يموت يا مم.
مم: نعم يا حبيبتي.
زين: مم.
مم: زين، وردة الجزيرة، غزالة جودي، وطوروس، حورية دجلة وفرات ستكون لي، لي وحدي  وتقولين أنني لست في حلم ؟! أنا أحلم. أحلم ..
          (يدور حول زين فرحاً وهو يغني)
 زين: (بحرج وهي تتلفت حولها)  نحن لسنا وحدنا يا مم، نحن في حديقة عامة.
(يكمل الرقص والغناء، يدخل بكو بثيابه الجبلية التقليدية، يرمق العاشقين بنظرة ضيق، يشاهده
مم فينتابه الخوف، يكف عن الغناء و الرقص وهو ينظر ناحية مرور بكو)
            إلام تنظر هكذا ؟ 
     (تقترب منه وهي مشدوهة) ماذا أصابك ؟!
مم: بكو.
زين: من ؟
مم: (بهمس وحذر) بكو هنا.
زين: بكو ؟!
مم: لقد رأيته، جاء من هذه الناحية، نظر إلينا نظرة غريبة، ثم اختفى. اختفى هناك خلف تلك الشجرة .
         (تتجه زين ناحية الشجرة، تدور حولها متفحصة المكان، يتبعها مم بتردد)
زين: لا أحد وراء الشجرة. لا بكو ولا غير بكو.
مم: لقد رأيته بعيني هاتين، لا شك أنه جاء ليتجسس علينا.
زين: (بتحد) يتجسس علينا ؟ فليتجسس علينا من يريد أن يتجسس.
مم: إنه بكو يا زين !!
زين: بكو مات يا حبيبتي، مات منذ زمن بعيد.
مم: مات ؟! 
زين: اطمئن يا حبيبي، نحن في مدينة أخرى غير مدينتنا، نحن هنا طلاب في جامعة ومدينة كبيرة، ومتحضرة جداً، لا مكان فيها لبكو يا .. زميل
مم: زميل ؟ (يضحك بحرج)
زين: ما فات مات يا مم،
مم : نعم، ما فات مات،ونحن في زمن العلم ،والعولمة كما يقولون. يعني: في زمن حضاري، وشعبنا قد تحضر هو الآخر، حتى عشائرنا تحضرت.
زين: هذا صحيح.
 مم : لقد أصبحت الآن أحزاباً .
زين: نعم .
مم: (بفخر) والمفرح في الأمر أنها كالخلية في تكاثر مستمر والحمد لله. 
زين: ولكن ..
مم: (بسرور، و بما يشبه الهمس) وستحضر كلها حفل زفافنا يا زين.
زين: حقاً ؟
مم: نعم، وليمزق بكو فروة رأسه وهو يشهد حفل زفاف مم وزين، حفل رائع سيشهده جميع أهالي الجزيرة. سيكون حفل أجمل، وأحلى، وأرق عروس.
زين: (حالمة) سأرتدي فيه ثوب زفاف رائع، ومدهش مثل ثوب الأميرة ديانا تماماً.
مم: (حالماً) وأنا سأرتدي بذلة عرس أخي السوداء، صحيح إنها قديمة بعض الشيء، ولكنها جميلة، جميلة جداً.
زين: وسأصفف شعري عند أشهر كوافير في الجزيرة.
مم: وسيقص شعري حلاق من رفاقنا ، سيقصه لي في حوش دارنا، في المكان الذي سيقام فيه الحفل، كما كان يفعل آباؤنا وأجدادنا.
زين: (باستغراب) في حوش داركم ؟!عن أي حفل تتحدث يا مم ؟
مم: طبعاً عن حفل زفافنا يا حياتي.
زين: وهل سيقام حفل زفافي في حوش داركم ؟!
مم: نعم يا حياتي.
زين: (بعتب، وغضب) مم !!
مم: اطمئني يا حبيبتي، لن يكون الحفل عادياً (بهمس) سيحضر الحفل الرفاق كلهم. وقد يحضره  المعلم ، وهل الآخرون أحسن منا ؟
زين: مم !!
مم: وأخي الكبير سيدعو هو الآخر رفاقه الحزبيين . 
زين: (بضيق) مم !!
مم: وكذلك سيفعل أخي لازكين، وأخي جوان ، وأخي شيار. كل واحد منهم سيدعو رفاق حزبه..
زين: (تقاطعه)كفى مم.
مم: وأخي الصغير: العفريت، لا بد أن يدعو هو الآخر رفاقه الحزبيين، تصوري ما الذي سيحدث ليلة عرسنا!! يا الله ..
زين: (بعصبية) مم.
مم: يا روح مم.
زين: لن أقبل أن يُقام حفل عرسي في حوش داركم.
مم: (بعد تفكير قصير) معك حق، سنقيمه في حوش دار عمي شيخموس.فهي أوسع من دارنا.
زين: (بنفور)  ؟!  لا أقبل بهذا المكان أيضاً.
مم: وأين تريد أن يقام حفل زفافها جميلة الجميلات؟
زين: (بسرور) في النادي.
مم: نادي ؟!
زين: نعم ، ويجب أن يكون النادي فخماً، ورائعاً، و..
مم: (يقاطعها وهو مندهش) لكن أسعار استئجار النوادي باهظة هذه الأيام، و أنا لا أملك ..
زين: لا أرضى بغير ناد فخم . كالأخريات.
مم: الأخريات ؟! 
زين: نعم، الأخريات من أمثال ابنة جارنا العتال عبدي، ابنة عتال يا مم، وكذلك شمسي، شمسي تلك الفتاة التي تنتمي زوراً لجنس الأنثى، وعلى الرغم من ذلك أقيم لها حفل زفاف مدهش، مطنطن. وفي أرقى ناد في الجزيرة يا حبيبي. فهل شمسي وغيرها أحسن، أو أحلى مني ؟
مم: لا يا حبيبتي، ليست هناك فتاة في الجزيرة كلها أرق، أو أجمل من زين، جميلة الجميلات، وسيدة الحسان.
زين: وهنا ، ألست هنا أيضاً سيدة الحسان ؟
مم: (بانتعاش) بلى يا حبيبتي، في هذه المدينة، وفي هذه الجامعة أيضاً، زين حبيبتي هي الأجمل، والأبهى، والأرق ..
زين: (بخبث) ومنها أيضاً ، أليس كذلك ؟
مم: ممن ؟
زين: من صديقتك يا زميل ميم.
مم: صديقتي ؟!
زين: نعم يا زميل ميمي.
مم: (يتذكر) آه .. لا شك أنك تقصدين سوسن ؟
زين: (بسخرية) سوسو يا زميل ميم. (تقلد حركات فتاة مغناج) هل تسمح بكلمة على انفراد زميل مام. ميرسي زميل ميمي.
مم: (يضحك) إنها مجرد زميلة يا حياتي.
زين: (بسخرية) زميلة ؟
مم: دعك منها يا حبيبتي، ولنحلم بحفل زفافنا القريب جداً.. وأخيراً يا زوزو.
زين: وأخيراً يا ميم.
    (تؤدي حركة فتاة مغناج، يضحكان)
    هل تعرف بماذا أحلم يا حبيبي ؟
مم: بماذا تحلم سيدة الحلوات ؟ غزالة بوطان، أميرة العشاق.
زين: أحلم بالسيارة التي سأركبها ليلة عرسي، أريدها جميلة، وأنيقة، وحمراء اللون, لا, بل سوداء اللون، لا، لا، بل زرقاء نقية بلون الأحلام ..
مم: (باندهاش) زين !
زين: سيارة زرقاء تسير كالزورق تحيط بها سيارات كثيرة ، سيارات من كل لون وصنف، ويجب أن تكون بالعشرات، لا، بل بالمئات .
مم: (بتوتر) زين !!
زين: والورود، يا الله كم أحب الورود !!  أريدها أن تملأ النادي كله، ورود حمراء عن يميني، وورود بيضاء عن شمالي، وورود صفراء عن يساري، و..
مم: (بحنق وخجل) نحن في مكان عام يا حبيبتي. ، هيا نذهب، لا شك أنك تأخرت عن  المحاضرة.
زين: (دون أن تلتفت نحوه) والكاميرات، أريدها أن تكون كثيرة، ثلاث، أو خمس، واحدة خاصة لتصويري، وأخرى لتصوير أهلي، وثالثة لتصوير رفيقاتي، و..
مم: (بسخرية وامتعاض) ورابعة لتصوير جيرانك، وخامسة لتصوير دجاجات حي أهلك، أما أهلي ورفاقي فلا حاجة لتصويرهم . أليس كذلك؟
زين: أما الضيافة، يجب أن تكون ضيافة الحفل فاخرة، فاخرة جداً، كاتو محلى بالكريم، كوكتيل، سكاكر وشوكولا، و..
مم: (بضيق) مهلاً، مهلاً يا زين.
زين: وأحلم ..
مم: (بضيق شديد) زين.
زين: (باستغراب) ما بك ؟! ما الذي أغضبك ؟!
مم: لست غاضباً ، لنذهب من هنا.
زين: دعني أحلم بليلة عرسنا يا حبيبي.
مم: هذه ليست أحلامنا يا حبيبتي.
زين: إنها أحلامي .
مم: إنها أحلام أرستقراطية. وأنا لست أرستقراطياً .
زين: هل يجب عليًّ أن أحلم أحلاماً شعبية و فلاحية ؟
مم: هل تسخرين من أصلي ؟
زين: لا، وهل أنت فلاح؟
مم: ما معنى سخريتك إذاً ؟
زين: (تتباكى)كنت أنتظر منك أن تقول لي: سأطير بك بعد الحفل إلى باريس، أو إلى مونتي كارلو، أو استكهولم، أو إلى ألمانيا ..
مم: هل تريدين الهجرة ؟ أنا أيضاً أفكر بالهجرة مثلك. ولكن ليس فور انتهاء حفل زفافنا .
زين: لم أقصد الهجرة ، بل قصدت شهر العسل، الذي أحلم أن تأخذني إليه بعد حفل الزفاف مباشرة.
مم: شهر عسل في ألمانيا، وفرنسا ؟
زين: أو في سويسرا.. لا يهم .
مم: لا يهم ؟!
       (يعيد لها الوردة التي نسيَ استنشاقها فترة طويلة، ويهم بالخروج)
زين: إلى أين ؟
مم: إلى اللقاء.
زين: هل ستتركني هنا وحدي ؟!
مم: أتركك لتحلقي بسلام.
زين: مم.
مم: نعم.  
زين: أنت لا تحبني .
مم: أنا لا أحبك؟!
زين: نعم أنت.
مم: أنت مخطئة .
زين: (تعيد له الوردة) إذاً لماذا تريد أن أغادر بيت أهلي، بيت الحسب والنسب، كفتاة عادية، لا تملك ما أملكه من جمال باهر، وأصل عريق، وغنى، وشهادة جامعية سأحصل عليها بدرجة امتياز.
مم: (بشيء من التوتر) أحلامك خيالية ، وما تحلمين به ليس ضرورياً يا عزيزتي.   
زين: ليس ضرورياً ؟
مم: نعم .
زين: ما هو الضروري إذاً ؟
مم: حبنا، حبنا الذي عاش طول هذه المدة، وأصبح مضرب المثل في دنيا العشاق.
زين: هذا صحيح، وهو خالد لا يموت.
مم: أعرف ذلك يا روحي، ولكن الأخطار تحدق به من كل حدب وصوب.
زين: هل تقصد بالأخطار بكو ؟ بكو مات يا مم، ونحن الآن في زمن آخر غير زمن بكو.
مم: مات ؟!
زين: نعم يا حبيبي.
مم: (يستنشق الوردة بشرود، يلتفت حوله بحذر) غريب !! ومن يكون هذا الذي ..
زين: بكو أصبح من الماضي يا عزيزي، و الماضي راح وأخذ معه بكو أيضاً.
مم: ربما.
زين: ربما !!
مم: نعم، لأن الماضي الذي راح، لم يأخذ معه كل شيء، هناك أشياء من الماضي ما تزال باقية بيننا.
زين: مثل ماذا ؟
مم: (بتردد) مثل ..
زين: ماذا ؟!
مم: مثل بعض رواسب الماضي التي تحملينها، والتي يجب أن تتخلي عنها بسرعة .
زين: أنا ؟
مم: نعم، وذلك حرصاً على عدم حدوث أي انشقاق بيننا.
زين: ماذا ؟
مم: انشقاق.
زين: (باندهاش وضيق) مم ؟!
مم: وستثبتين للرفاق أنك عند حسن ظنهم.
زين: ظن رفاقك ؟
مم: يقولون لي دائماً: إن زين لا تتطور أبداً، وعلى الرغم من قدومها إلى الجامعة، ووجودها هنا بيننا، إلا أنها مازالت تلك الفتاة الريفية المتخلفة.
زين: أنا متخلفة؟!
مم: هذا ما يقوله الرفاق عنك يا زين.
زين: (بسخرية مبطنة) وأنت، ما هو رأيك ؟
مم: (بحيرة) أنا ؟
زين: نعم، هل رأيك فيَّ مثل رأيهم ؟
مم: بصراحة..
زين: طبعاً بصراحة ؟!
مم: الرفاق دائماً على صواب، وهم يريدون أن تتطوري.
زين: (بسخرية) كيف ؟
مم: بأن تتخلي عن حساسيتك الزائدة نحوهم، ولا تحلقي بعيداً عن سربهم.
زين: سربهم ؟  
مم: نعم، كي تنالي رضاهم، ويباركوا زواجنا يا حبيبتي.
زين: هكذا إذاً ؟ (تعيد له الوردة )
مم: و في بيتنا: بيت العائلة الذي سنسكن فيه بعد الزواج، لن ينقطع الرفاق عن زيارتنا.
زين: وهل سنسكن مع أخوتك وأولادهم ؟
مم: نعم يا روحي، وسنعيش في هناءة وسعادة، وننجب أولاداً وبنات.(يعيد لها الوردة )
زين: وأنام وأصحو على الصياح والصراخ ؟
مم: بل قولي على الحوار والنقاش، وهو مستمر في البيت، لا ينقطع أبداً، هل تعرفين لماذا ؟ سأقول لك لماذا، إن وجود كل أخ منا في حزب، واختلاف هذه الأحزاب الدائم يجعل الصراع بيننا نحن الأخوة متواصلاً أيضاً.
زين: هذا يعني أن جو بيتكم مشحون دائماً ؟
مم:  نار وبنـزين.
زين: وهل تجدون وقتاً للحب ؟
مم: (بسخرية) الحب ؟! (يضحك) جلُّ وقتنا ينقضي بالنقاش، اسمعي يا زين، إذا رماك أحد أخوتي بتهمة ما أثناء النقاش؛ فلا تنـزعجي.
زين: (بحدة) تهمة ؟!
مم: تهمة سياسية يا حبيبتي، سياسية وليست أخلاقية، كأن يقول لك مثلاً: يا عميلة.
زين: (بضيق) أنا عميلة ؟!
     (يلتفت مم حوله بحرج)
مم: لا ترفعي صوتك عالياً، نحن في حديقة محترمة .
زين: (بصوت خفيض) أنا عميلة ؟!
مم: لا يا حبيبتي، هذه كلمة تستعمل كثيراً في نقاشنا، اطمئني، وقد يقال لك يا متطرفة.
زين: أنا متطرفة ؟!
مم: أو يا انتهازية، أو يا جبانة .. وغيرها من الكلمات المشابهة التي ستسمعينها في صالون البيت، وفي المطبخ، وربما في غرفة النوم.
زين: في غرفة النوم أيضاً ؟!
مم: نعم، ولكن عليك أن لا تقابلي الاتهام بالسكوت، ردي بقوة، ولكن معهم فقط، أما معي أنا، فحذار من الرد و الاعتراض، إنها الأصول يا حياتي.
زين: الأصول ؟!
مم: أصول سياستنا ، المرأة ظل زوجها يا حبيبتي، في البيت، وخارج البيت أيضاً.
زين: غريب !!  هل كان أخي الأمير رفيقاً لكم يا مم ؟
مم: (بقرف) ماذا ؟!
زين: لقد كان يتبع هذه السياسة معنا،ومع كل النساء .
مم: ماذا تقصدين ؟ أخوك كان رجلاً عشائرياً ومتعصباً .
زين: أعرف ذلك يا حبيبي.
مم: (بمكابرة) وشتان ما بيننا وبينه.
زين:  لولا ذلك لما انتظرنا هذه المدة كلها، وكنا سنتزوج مثل أختي وصديقك تاج الدين.
مم: هذا صحيح، أما الآن فقد تغير الزمن، وتبدلت الأحوال كثيراً، وانقلبت الأمور رأساً على  عقب.
زين: نعم.
مم: (بخبث) فقد أصبح من كان غلاماً .. سيداً اليوم.
زين: نعم.
مم: أما سادة الأمس ..
زين: (بريبة) ماذا حدث لهم ؟ ما زالوا سادة.      
مم : السيادة والعزة اليوم لمن يسوس، لا لمن كان يملك ويدوس البشر.
زين: (بضيق) ماذا تقصد ؟ هل تقصد أهلي  ؟
مم: (بتردد) لا ..
زين: احذر السخرية من أهلي يا مم، ولا تنس من أكون، فأنا بنت الحسب والنسب، أموال أخي كانت لا تعد ولا تحصى, وأراضيه كانت شاسعة واسعة، تعجز الخيول عن قطعها في يوم واحد، وأما أبناء عشيرتي فقد كانوا بعدد النجوم.
مم: (بسخرية، وضيق) كانوا.
زين: طبعاً كانوا، وكان الآخرون أيضاً يعملون عندهم خدماً وحشماً.
مم: (بحنق) ماذا تقصدين ؟
زين: (بتردد) أقصد .. لا شيء.
مم: بل تقصدين، لا شك إنك تقصدين والدي الذي كان يعمل لدى والدك.
زين: (بشيء من الحرج) نعم، ولكن ..
مم: ولكن والدي الذي كان يعمل لدى لوالدك، أصبح اليوم يعمل لدى رئيس حزبه يا هانم، وأسرار الحزب وأمواله أصبحت كلها في جيبه، وإذا كان لديكم عشيرة واحدة بالأمس فنحن اليوم لدينا  أكثر من عشر، يا نصيرة العشائرية.
زين: أنا نصيرة العشائرية ؟!
مم: نعم، ما معنى تباهيك بعشيرتك إذاً ؟
زين: (بتحد) وأنت ..
مم: أنا ماذا ؟
زين: أنت أيضاً نصير العشائرية.
مم: (لنفسه بضيق) أستحق أكثر من هذا، كان يجب أن آخذ برأي  الرفاق؟
زين: رأي رفاقك في ماذا ؟
مم: طبعاً رأيهم فيك، رأيهم الصائب في البنت القروية التي جاءت إلى هنا دون أن تخلع عنها قيود  التخلف. 
        (تعيد له الوردة )
زين: زملاؤك ورفاقك ينهون عن فعل ويأتون بمثله.
مم: احذري الإساءة إلى الرفاق.
زين: (بسخرية) وماذا يريد السادة الرفاق مني أن أفعل ؟
مم: (بحيرة) أن تكوني ..
زين: ماذا ؟
مم: أن تكوني ..كما يحبون ويرغبون.
زين: وما الذي يحبه رفاقك ويرغبون فيه ؟
مم: (بعجز) يحبون .. يرغبون ..
زين: ماذا ؟ لا تعرف، أنا أيضاً لا أعرف، إذا تعاملت معهم بحرية ؟ قالوا عني مستهترة، وإذا أمسكت عن ذلك، قالوا عني: معقدة، ومتخلفة، وإذا ارتديت، أو تصرفت مثل بعض صديقاتهم، ثارت ثائرتهم، وقد يلجأ أحدهم إلى الإساءة، بهذا الشكل أو ذاك. قل لي ماذا تريدون بالضبط ؟
       (يلتفت حوله بحرج، يصطنع الجلوس إليها بود وأدب)
مم: كفي عن الحديث بهذا الشكل، أين تظنين نفسك يا مثقفة ؟ أنت هنا في مكان محترم ولست أمام التنور مع جاراتك.
زين: (تهدأ) حسن، لم تجبني عن سؤالي، ماذا يريد مني الرفاق بالضبط ؟
مم: الخروج من قمقمك، والتفاعل الإيجابي مع الجو والمحيط.( يعيد لها الوردة )
زين: كيف ؟
مم: بأن تكفي مثلاً عن إرسال النظرات الشزرة عندما ترينني برفقة سوسن، أو غيرها من الزميلات.
زين: أنا أعرف أن التبختر مع سوسن، أو غيرها من الزميلات يرضي غرورك، ولكنني لست محظيتك يا سيد، ومن حقي الغيرة عليك.
مم: يجب أن تخرجي من هذا القمقم، وتشاهدي وتعايشي ما يحدث من تغيرات. كل شيء في هذه الحياة في تبدل وتغير مستمر.
زين: إلا حبنا .(تقدم له الوردة )
مم: هذا صحيح، ولكن ..
زين: بلا لكن، يجب ألا يتأثر حبنا بما يحدث من تغيرات، حبنا خالد يا مم، خالد لا يموت.
مم: هذا صحيح، إنه خالد ، خالد مثل معلمنا تماماً، أقصد: زعيم حزبنا.
زين: بل هو أهم من زعيم حزبكم يا مم.
مم: لا، ليس أهم يا حبيبتي.
زين: بل أهم منه بكثير.
      (يلتفت حوله بخوف وحذر، ينفعل)
مم: لا ترفعي صوتك، أخشى أن يسمع حديثك أحد الرفاق. فتقع المصيبة.
زين: إنها الحقيقة، وليسمعها الجميع: حبنا، حب مم وزين، أهم من الرفاق، ومن زعيمهم أيضاً .
       (يهب مم من مكانه كالملسوع، يرمي الوردة في وجه زين، يخرج بكو من مكانه يجلس جانباً، ويُتابع ما يحدث بين العاشقين بسخرية)
مم: لقد تجاوزت حدودك كثيراً يا زينو.
زين: زينو ؟! زينو يا مم ؟
مم: بلا مم، بلا سم.
زين: سم ؟! 
مم: (بانفعال) حلمت بالنادي الفخم فلم أقل شيئاً.
زين: مم ؟!
مم: طلبت الكاتو، والورود، والكاميرات .. قلت : لا بأس، لتحلم كما يحلو لها.
زين: عيب يا مم.
مم: سخرت من أخوتي .. فلم أرد عليك بالمثل.  
زين: (بحرج) لا ترفع صوتك، نحن لسنا وحدنا، نحن ..
    (تلتفت حولها فتشاهد بكو، تصاب بالدهشة) انظر يا مم، إنه ..
مم: وسخرت من أبي ومن ماضيه ..
زين: إنه هو يا مم. إنه ..
مم: أما أن تسخري منه، من معلمنا وزعيمنا بالذات .. فهذه والله لكبيرة، كبيرة جداً يا زيني.
زين: إنه بكو يا مم.
مم: (بانفعال بالغ) بكو ؟!!  وتسمينه بكو ؟!  لا، لا يا زينو.
زين: إنه هو يا مم، انظر إليه جيداً. لاشك أنه جاء ليفرق بيننا.
مم:  ليس هو من سيفرق بيننا، بل أنا من سيفعل ذلك.   
زين: أنت ؟!
مم: نعم أنا.
زين: لا تكن غبياً ؟!
مم: أنا غبي يا حاقدة.
زين: أنا حاقدة ؟!
مم: وقد تكوني عميلة أيضاً، من يدري يا بنت الحسب والنسب ؟ بكو، بكو يا زين ؟!    
زين: إنه هو ، أقسم أنه بكو بعينه.
مم: (بانفعال) وتقسمين أيضاً ؟!
زين: ماذا دهاك يا مم ؟ الفتان أمامك.
مم: الفتان يا أخت ذلك الأمير المغرور ؟!
زين : (بعصبية) مجنون.
مم: مجنون، مجنون .. ولكن لن تري حفل زفافنا بعينيك، لا في ناد، ولا حتى في حوش دارنا.
زين: مم !
مم: ولا ..
       (ينـزع بكو تويجات الوردة وهو يبتسم بسرور وتشف)
زين: (بكبرياء وألم) ولا ماذا ؟ قل لماذا صمت؟
مم: ولا تحلمي بالزواج.
زين: (بمرارة) هكذا إذاً ؟
مم: نعم. أنا حر.
زين: لست حراً يا مم.
مم: بل أنا حر، ولم أعد عبد أخيك يا هانم ؟! 
زين: مسكين. 
مم: مغرورة.
زين: جاهل.
مم: بنت أمها المتعجرفة.
زين: ابن أمه الثرثارة.
مم: وابن الثرثارة يقول لك الوداع، الوداع وإلى الأبد يا بنت الحسب والنسب.
زين: إلى الأبد ؟ ماذا تقصد ؟
مم: أقصد: إن ما كان بيننا من حب .. أصبح في خبر كان.
زين: (بتفجع)  هذا لا يجوز يا مم.
مم: بل يجوز، فأنا حرُُّ يا زين هانم.
زين: لا، أنت لست حراً في هذا الأمر بالذات.
مم: إنه حبي وأنا حرُُّ به.
زين:  هذا الحب ليس ملكك وحدك، إنه ملكي أنا أيضاً، وملك أختي، وملك تاجو وكل العشاق، حتى بكو، بكو عوان نفسه، الفتان، له نصيب في هذا الحب.
        (يصاب بكو بالدهشة، ينتابه إحساس ما، رقيق، وسار، يتململ مم. يخرج)
مم: الوداع يا بنت البلد، الرفاق بانتظاري.
      (يخرج، تناديه زين بحرقة) 
زين:  انتظر يا مم، مم .. إنك ترتكب خطأً فادحاً .. ستندم، ستندم يا مم.
        (تخرج من جهة أخرى غير تلك التي خرج منها مم، يتقدم بكو، ينظر في إثر مم وزين وهو يبتسم)
بكو: ها..ما رأيكم ؟  أنا أعرف أنكم بعد قيل وقال ستقولون: إن بكو كان وراء هذا الخلاف، وقد ترمون  كاتب هذه المسرحية بتهمة ما، من يدري ؟ كل شيء هنا جائز، مساكين
        (يلتفت حوله، ينظر باتجاه خروج كل من مم وزين بارتياب)
         باي، باي ..
 (يخرج وهو يغمغم بكلمات معينه)
                                  
 
                                              -3 –
                   ( الممثلان داخل الكواليس وهما في حالة رضا وسرور)
الممثل : كان العرض موفقاً، أليس كذلك ؟
الممثلة :بل قل كان رائعاً .
الممثل : كنت متألقة .
الممثلة : وأنت أيضاً، كنت في أوج تألقك .
الممثل : لابد أن يكون الجمهور الآن راضياً ؟
الممثلة : ولا بد أن يكون الأستاذ أيضاً مسروراً بالعرض .
الممثل : أين هو ؟
الممثلة : لا أعرف .
        ( يدخل المخرج وهو في حالة ضيق )
الممثل : تهانينا أستاذ .
الممثلة : لقد كان دورك أيضاً ناجحاً .
الممثل : كان ارتجالنا مغامرة  حقيقية.
الممثلة : ولكنها نجحت .
الممثل : هذه هي المرة الأولى التي أجرب فيها هذا اللون من التمثيل.
الممثلة : وأنا أيضاُ ، ولكن على الرغم من ذلك نجحنا .أليس كذلك يا أستاذ ؟
المخرج : نجحنا ،ووقعنا في ورطة .
الممثلة : ورطة ؟!
الممثل : أية ورطة أستاذ ؟! 
المخرج :لقد انحرفنا عن موضوع مم وزين الأصلي يا أصدقاء.
الممثلان : انحرفنا ؟!
المخرج :فكرا بما قدمنا جيداً .
        (يتبادل الجميع نظرات ذات معنى )
الممثل :كيف حدث ذلك ؟!
الممثلة : لقد انحرفنا عن الموضوع الأصلي دون قصد يا أستاذ.
المخرج : هربنا من تحت المطر، فوقفنا تحت المز راب.
                  (ينظر بعد لحظة صمت إلى الجمهور،للممثلين) الجمهور يا شباب.     
                             ( يضحكون ،ويحيون الجمهور )
                                               النهاية   
                                                                           قامشلي|ت2| 2005
                                                         

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات