القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

قراءة في كتاب: ملحمة جلجامش

 
الأربعاء 07 تشرين الاول 2009


عرض: رضوان محمد أمين محمد


  مقدمة:

ملحمة جلجامش هي أطول وأجمل نص أدبي وصلنا من ثقافة المشرق العربي القديم .
وقد شاع هذا العمل عقب تأليفه حوالي 1800 ق.م في جميع أرجاء المنطقة وترجم إلى عدد من اللغات الحية في ذلك الوقت ,مثلما شاع واشتهر في العالم الحديث وترجم إلى معظم لغاته الحية,تروي الملحمة عن حياة وأعمال جلجامش ملك مدينة أورك السومرية وتحتوي على تأملات في الإنسان و مسألة الحياة أو الموت ومعنى الوجود .فراس السواح المفكر السوري المعروف بأبحاثه القيمة في ميثولوجيا وأديان الشرق القديم ,قد أولى هذا العمل الفريد عناية وقدمه لنا في كتاب  صادر عن دار الكلمة للنشر في بيروت – لبنان


حيث يحتوي الكتاب على مقدمة :

1-    حول ملحمة جلجامش وأثرها في الثقافة القديمة .
2-    قصة بطل أورك ( جلجامش )
3-    تاريخ الملحمة ومصادرها .
4-    أثر ملحمة جلجامش في فكر المنطقة .
5-    جلجامش وسفر الجامعة .
6-    جلجامش وآدم و حواء .
7-    جلجامش وجنة عدن .
8-    جلجامش و التصورات الآخروية في التوراة .
9-    جلجامش وشمشون .
10-   جلجامش ونوح .
11- جلجامش في الأسطورة اليونانية.
12-   جلجامش وثيسيوس
13-  جلجامش وهرقل .
14-  اثنتا عشرة لوحة (ترجمة الملحمة ) 
  

*أثر الملحمة في الثقافات القديمة :
ملحمة جلجامش تعتبر مثل نابض على خلود العمل ,وتجاوز مفهوم المكان والزمان ,فبعد آلاف السنين الفاصلة ,نقرؤها كأنها كتبت لنا خاتمة الأمس ,نمشي مع بطلها في تجواله ,فكأنه كل منا ,كأن أحدنا يمشي وظله ,وجزءا ً من نفسه .
فجلجامش ,الإنسان المطلق في لب المسألة ,بؤرة المأساة ,يسأل ما لا يسأل ,يرفض المستحيل ,ينطح القدر ,يتحدى الآلهة ,يبغي الثمار الحرام.
وفي ثورته على الموت يستنفد المكان, ويقرع باب المستحيل ,وضع يليق بالإنسان ,الواثب أبداً, القافز نحو مراتب الإلوهية ,المتطلع نحو الكشف ,الفتح,الانطلاق.
*ملخص سيرة جلجامش (بطل أورك ):
كان جلجامش أبنا ً للإلهة ننسون حملت به من أوروك المدعو لوجال بندا , فجاء ثلثه إنسان وثلثه إله,متفوقا ًعلى جميع الرجال بخصائصه الجسمية و العقلية ,حكم أورك وهو في مقتبل العمر, فطغى وبغى على أهلها حتى ضاقت بهم السبل ,فحملوا شكواهم إلى مجمع الآلهة يطلبون العون على رد مليكهم جادة الصواب .
استمع الآلهة إلى الشكوى وارتأوا خلق ندّ لجلجامش ,يعادله قوة و جبروتا ليدخل الاثنان في تنافس دائم يلهي جلجامش عن رعيته,وعهدوا بهذه المهمة إلى الإلهة الخالقة آرورو ,المعروفة في الأساطير الرافدينية بأنها خالقة الجنس البشري فقامت( آرورو) بخلق انكيدوا من قبضة طين رمتها في الفلاة.
نشأ انكيدو مع الغزلان في البراري,يطوف الفلاة مع القطعان في البراري كواحد منها .
وفي أحد الأيام رآه صياد فتى ، وهرع إلى أبيه يحدثه بشأنه ,فاقترح عليه الأب أن ينقل
الخبر إلى ملك البلاد.
مضى الصياد فمثل في حضرة الملك وقص عليه خبر الرجل الوحش , فاهتم جلجامش بالأمر ورغب في إحضار ذلك المخلوق الغريب إليه.
أمر كاهنة حب من معبد عشتار أن تذهب مع الفتى إلى البرية وتحاول استمالة ذلك الرجل ثم تأتي به إليه بعد أن يفيء إلى غلى أحضانها ويأمن إليها .
وتكمن المرأة والفتى عند النبع الذي يرده انكيدو للشرب مع القطعان ,وفي نهاية ثلاثة أيام من الانتظار يظهرانكيدو فتبرز إليه المرأة وتكشف له عن مفاتنها.
ينسى انكيدو صحبه من ذوات الحوافر ويقترب من المرأة ويلامسها وتلامسه ,ثم يفيء إلى أحضانها ثلاثة أيام.
وعندما يحاول القيام ليلحق بربعه يجد أن ساقيه لم تعودا قويتين وأنه غير قادر على الركض كالسابق,فيرجع إلى المرأة التي تبدأ تحدثه عن جلجامش ,وعن مدينة أوروك وتقنعه بأنه لم يخلق لحياة البراري بل لحياة القصور .
فيتوق انكيدوللقاء جلجامش علّه يحظى بصديق ,ولكن عليه أن يتحداه مظهراً له قوته ونديته له,تقود المرأة انكيدو إلى مساكن الرعاة ,وهناك تلبسه الثياب وتعلمه أكل الخبز و شرب الخمر و أسلوب الحياة المدنية,وبعد فترة تنطلق به إلى أوروك .
وصل الاثنان إلى المدينة وهي في ذروة احتفال كبير,فابتهج الناس لرؤية انكيدو,وهتفوا إنه ند ّ  لجلجامش .سيدخلان في تنافس دائم وتستريح اوروك,وبينما جلجامش يخطو عتبة باب المعبدلآداء طقوس العيد ,تصدى له انكيدو في الساحة .
وتحداه ,فدخل الاثنان في صراع اهتزت له جدران العبد .
وكانت الغلبة أخيرا جلجامش الذي طرح خصمه أرضا ًونع حركته .
وهنا تهدأ ثورة جلجامش ويرخي قبضته عن غريمه ثم يستدير ماضيا ًفي طريقه ,فيناديه انكيدو بكلمات تمتدح رجولته ومروءته ,وتكون فاتحة صداقة عميقة بين الطرفين وما نلبث نجد انكيدومقيما في القصر الملكي صديقا ًوناصحا ًللملك .
عقب لقائه بانكيدوغير جلجامش من سلوكه في الحكم والإدارة ,وأرخى قبضته عن رعيته ,وما نلبث أنن نراه في حالة تأمل عميق في مسألة الحياة والموت ,راغبا ً في الإقدام على فعل جليل يخلد ذكره عبر الأزمان بعد مماته,ثم يفضي بمنكون فؤاده إلى انكيدو ويطلعه على نيته في الشروع بمغامرة كبيرة تستهدف الوصول إلى غابة الأرو في أقصى الغرب وقتل حارسهاخمبايا ,
الذي أقامه هناك الإله انليل وأوكله برعاية المكان وحمايته.
يجزع انكيدو لسماع ذلك, فهو رأى الوحش خمبايا عندما كان يطوف البراري مع القطعان وناله منه الخوف الشديد ,رآه يزأر في الغابة كعاصفة الطوفان ,ومن فمه تندفع ألسنة اللهب وأنفاسه تجلب الموت الزؤام عن مسافة بعيدة ,وبعد نقاش ومداولة ,رضخ انكيدو لرغبة جلجامش ومضى الاثنان إلى معبد الإله ننسون للحصول على بركتها , وصلت ننسون إلى الإله شمش ,حامي جلجامش ,ودعته أن يحفظ ابنها وصديقه و يرجع بهما سالمين .
وعند البوابة التي اجتازها البطلان في طريقهما خارج أورك تجمع الناس لوداعهما , وأتى شيوخ اورك لإسداء النصح لهما وتوصية انكيدو بالسهر على سلامة صاحبه .
بعد رحلة مليئة بالمخاطر والأهوال وصل الصديقان أطراف غابة الأرز وأقحما بوابتها المسحورة التي سببت شللا ًمؤقتا ًلذراع انكيدو , ثم أخذ يقطعان شجر الأرز, وما لبث صوت خمبايا أن سمع
هادرا ًمن أعماق الغابة يتساءل عن الذي تجرأ على اقتحام الغابة وقطع شجرها ,انقض خمبايا على الغريبين دون مقدمات ,ودارت بين الطرفين معركة حامية الوطيس ,مالت في البداية لصالح خمبايا , وكن الإله شمس أمدهما بثمانية أنواع من الرياح هبت في وجه الوحش وشلت حركته
فأمسكا به وقطعا رأسه فقدماه قربانا ً لشمش ,عاد البطلان إلى اورك وغسلا عنهما عناء السفر .
وعندما أكمل جلجامش ارتداء لباسه الملكي ,شخصت الإله عشتار إلى قامته الفارعة وهامت به حبا ً,وعرضت عليه الزواج ,معددة الهدايا والأعطيات التي ستمنحه إياه إذ اقبل العرض فتخاطبه قائله :
تعال يا جلجامش وكن حبيبي
هبني ثمارك هدية
كن زوجاً لي وأنا زوجاً لك
 سأمر لك بعربة من ذهب ولازورد
و تدخل بيتنا مضمخاً بشذى الأرز .
   لكن جلجامش رفض عرض عشتار منددا بخيانتها المعروفة لعشاقها وأزواجها,وذلك بكلمات قاسية لاذعة جرحت كبرياء الإلهة .
ثارت ثائرة عشتار وعرجت صاعدة إلى السماء العليا,فمثلت في حضرة كبيرة الآلهة آنو وشكت إليه إهانة جلجامش ,طالبة أن يسلمها قياد ثور السماء ,الكائن الوحشي المهول لتهلك به جلجامش,وهددت أنها في حال الرفض سوف تحطم بوابات العالم الأسفل فيخرج الموتى ليأكلوا ويشربوا مع الأحياء وتعم المجاعة الأرض ,نزل آنو عند رغبة الإله الغاضبة وأسلمها قياد ثور
السماء فأطلقته في مدينة أوروك يعيث فساداً فيها ويهلك المئات من أهلها ,ولكن جلجامش وانكيدو ما لبثا أن تصديا للثور ,وبعد صراع مرير قتلاه وقدماه ,قربانا ًللإله شمش بعد هذا الحدث الجلل   
عقد الآلهة اجتماعا ً في السماء وقرروا أن يموت أحد البطلين عقوبة لهما على قتل خمبايا و ثور السماء, ووقع الخيار على انكيدو ,وقع انكيدو فريسة الحمى بضعة عشر يوما ً , ثم أسلم الروح بين ذراعي جلجامش الذي راح يدور حول صديقه المسجى , كلبوة فقدت أشبالها وهو بين مصدق ومكذب ,يبكي ويقطع شعر رأسه ,احتفظ جلجامش بجثة انكيدو ثلاثة أيام رافضا ًتسليمه للدفن ,عسى من بكائه عليه أن يفيق انكيدو من غيبوبته , إلى أن سقطت دودة من أنف الجثة التي تتفسخ
, عند ذلك صحا جلجامش من هذيانه وتأكدت له الحقيقة المرة . فيصرخ جلجامش قائلاً :
يا شيوخ أورك اسمعوني
إنني أبكي صديقي انكيدو
إنني أنوح نواح الندابات
كان البلطة إلى جنبي ، والقوس في يدي
المدية في حزامي ، والترس الذي أمامي
حلة عيدي ، فرحي الوحيد
فأي نوم هبط عليك
فغبت في ظلام لا تسمع كلماتي

أقام لأنكيدو طقوس حداد لائقة ,ثم انسل من قصره وحيدا ًشريدا ًتطارده فكر الموت ,لقد تحول
جزعه على صديقه الراحل إلى قلق على مصيره الشخصي وخوف من موته هو .
رحل جلجامش في البراري يصطاد الحيوانات فيتغذى بلحومها ويقنص الآساد فيرتدي من جلودها
وهدفه الوصول إلى الحكيم أوتنابشتيم ,المخلوق الوحيد الذي أنعمت عليه الآلهة بالخلود وأسكنته مع زوجته في جزيرة نائية تقع خارج العالم المعروف , وتفصلها عنها مسافات لا نهاية لها , وبحر يموج بمياه الموت ,كان عازما ًعلى الوصول إليه بأي ثمن ليسأله عن سر الحياة والموت ,وكيف يستطيع الإنسان الخلود لنفسه .
وصل جلجامش إلى جبال ماشو,التي تحرس ذراها المتقابلة الفوهة التي تنزل منها الشمس إلى باطن الأرض , لتسير مسارها الليلي قبل شروقها من الطرف الآخر ,وهناك سهل له البشر العقرب الموكلون بتلك الجبال ,عبور مسالكها ,ودلوه على أقصر طريق يوصله إلى اوتنابشيتم ، عبر جلجامش مسالك جبال ماشو ووصل إلى فوهة الشمس فنزل فيها ليصل عبرها إلى الطرف الآخر من العالم ،وفي عمل معجز لا يقدر عليه سوى إله ، اجتاز ممر الشمس
السفلي في أقل من ليلة واحدة ،وخرج من الطرف الآخر ليجد نفسه على شاطئ البحر الذي يفصله عن جزيرة اوتنابشتيم .
وهناك تقيم سيدوري ساقية خان الآلة ,حيث يتوقف الخالدون للراحة وتناول الشراب فزعت سيدوري لرؤية ذلك العملاق الأشعث الأغبر الذي يرتدي جلود الأسود ,فدخلت
حانتها وأوصدت الباب ,فناداها جلجامش معلنا ً عن هويته وقصده ,ولما اطمأنت إليه وفتحت الباب وقص عليها قصة وطلب معونتها .
فقالت سيدروي مخاطبة جلجامش :
 إلى أين تمضي يا جلجامش ؟
الحياة التي تبحث عنها لن تجدها .
فالآلة لما خلقت البشر ،
جعلت الموت لهم نصيب
وحبست في أيديها الحياة .
أما أنت يا جلجامش فأملأ بطنك
وأخرج ليلك ونهارك
أجعل من كل يوم عيداً
وأرقص لاهياً ليل نهار
اخطر بثياب زاهية نظيفة
أغسل راسك ،حمم جسدك
دلل صغيرك الذي يمسك يدك .
واسعد زوجك
بين أحضانك
 
تصادف وجود كلكامش مع وجود ملاح اوتنابشتيم المدعو اورشنابي في المكان يحتطب
من أجل سيده,فدلت سيدوري على مكانه , وأخبرته بأنه الوحيد الذي يستطيع بقاربه عبور مياه الموت ,وذلك بمعونة رقم حجرية عليها طلاسم سحرية .
انطلق كلكامش كسهم مارق إلى حيث دلته سيدوري ,وفي غمرة اضطرابه وهيجانه داس فوق الرقم الحجرية التي كان يضعها اورشنابي جانبا ً وهو يحتطب ,فبعثرها وحطمها ,فقال له اورشنابي,بعد أن كشف له كلكامش عن شخصيته وأخبره بقصته طالبا ًمنه العون على حمله إلى اوتنابشتيم , بأن يديه حالتا دون عبوره لأنه قد كسر الرقم التي تعين المركب
على اجتيازه مياه الموت .وبعد تقليب الأمور على وجهها ،توصل اورشنابي إلى حل للمشكلة ,فمياه الموت التي تبدأ حدودها بعد مسيرة طويلة في البحر, هي مياه راكدة والهواء فوقها ساكن حيث لا ريح تدفع ولا مجداف ينفه , وحيث الرذاذ إذا تطاير يقتل
باللمس ,وقد ارتأى الملاح الجرب أن يعمدا إلى الدفع بالمردي ,وهو مجداف طويل يستخدم
عن طريق ركز طرفه السفلي في قاع الماء لا عن طريق التجديف العادي , فطلب من كلكامش أن يحتطب من الغابة مائة وعشرين مرديا طول الواحد ستين ذراعا ً,ففعل كلكامش أبحر الاثنان في المركب الذي قطع في ثلاثة أيام رحلة تستغرق قي الزمان المعتاد والمكان المعتاد مسيرة شهر ونصف , ثم ولج المركب في مياه الموت ,حيث طلب اورشنابي من كلكامش أن يبدأ باستخدام المردي ,وكان عليه أن يستعمل كل مردي لمرة واحدة فقط ثم يتركه بعد الدفع إلى الماء لئلا تمس يده ما علق عليه من ماء قاتل . وصل كلكامش إلى اوتنابشتيم ، وقص عليه قصة  وما جرى له ،ورجاه أن يخبره كيف استطاع تحقيق الخلود لنفسه من دون البشر ،فقص عليه اوتنابشتيم قصة الطوفان العظيم بجميع تفاصيلها وانتهت إلى مكافأة بنعمة الخلود , فقرر الآلهة إرسال طوفان على الأرض يفني كل نسمة حية ،وحدد لذلك موعد , ولكن الإله "أيا " الذي حضر الاجتماع وعرف القرار , نقل إلى الحكيم اوتنابشتيم ,ملك مدينة شوريباك قرار الآلهة , وأمره ببناء سفينة عملاقة يحمل فيها أهله ونخبة من أصحاب الرف وأزواجا ًمن حيوانات البرية ووحوشها , ففعل اوتنابشتيم ،وعندما حصل الطوفان , أبحر اوتنابشتيم بسفينة وأغلق منافذها ،دامت عاصفة الطوفان ستة أيام ,والمركب تتقاذفه الأمواج حتى رسى في اليوم السابع على قمة جبل يدعى نصير , فتح اوتنابشتيم كوة وتطلع حدود الأفق , كان الهدوء شاملا ً والبشر قد آلو في الطين , فخرج وانطلق ركاب السفينة , وقدم بعض حيواناته قربانا ًللآلهة , حضر الآلهة مسرعين لنداء نار القربان وقد تملكهم
الندم على ما فعلوا وعندما رأوا ما فعله اوتنابشتيم وكيف أنقذ بذرة الحياة على الأرض
,فراحوا لذلك وقام انليل بإسباغ نعمة الخلود على اوتنابشتيم  وزوجته مكافئة له على صنيعه ,وأسكنها في هذه الجزيرة .
ثم ينهي بطل الطوفان قصته بالقول إلى كلكامش : والآن يا كلكامش , من سيدعو مجلس الآلهة إلى الاجتماع من أجلك , فتجد الحياة التي تبحث عنها ؟ ومقدرته على
قهر الموت الأكبر بقهر الموت الأصغر وهو النوم ,فكان عليه أن يجلس في وضعية القعود ستة أيام وسبع ليال دون نوم , فعق كلكامش  قابلا ً تحدي اوتنابشتيم مصمماً على قهر الموت الأصغر ( النوم ) , ولكنه بعد وقت قصير ،غرق في سبات عميق
استمر ستة أيام , وفي اليوم السابع هزه اوتنابشتيم ,فأفاق معتقدا ًأنه لم ينم إلا لحظات ,
وعندما عرف حقيقة ما وقع له وتأكد من فشله في الاختبار , استعد لمغادرة الجزيرة ومعه اورشنابي الذي أمره اوتنابشتيم بمغادرة المكان دون رجعة ورافقه كلكامش إلى اوروك   .
وبينما هما يدفعان المركب بعيدا ًعن الشاطئ , شعرت زوجة اوتنابشتيم بالشفقة كلكامش وهي تراه يعود خالي الوفاض بعد رحلته المستحيلة إليهم و اقترحت على زوجها أن يقدم له بعض مما قدم لأجله ,نادى اوتنابشتيم كلكامش واطلعه على سر نبتة شوكية تعيش في أعماق المياه الباطنية , مسكن الإله انكي وتحمل خاصة تجديد الشباب من يأكل منها إذا بلغ الشيخوخة غاص كلكامش في القناة المائية التي توجد فيها النبتة, رابطا ًإلى قدميه حجرا ً ثقيلا ً يشده نحو الأسفل, وهناك رأى النبتة , فاجتثها بعد أن أدمت أشواكها يديه ,ثم حل وثقاه صاعدا نحو الأعلى , وهناك عرضها أمام اوتنابشتيم, شاكرا ً, وقال لهما إنه سيحملها معه إلى اوروك ليجعل الشيوخ يقتحمونها فيما بينهم , وأنه سيأكل منها أيضا ً عندما يكبر .
انطلق الاثنان في طريق العودة الطويل , وفي إحدا المحطات التي توقفا عندها للراحة , رأى كلكامش بركة ماء بارد فنزل غليها واستحم بمائها تاركا ًعند الضفة .
فانسلت حية إلى النبتة وأكلتها وبينما هي راجعة إلى وكرها تجدد جلدها , جلس كلكامش عند الضفة وقد انهار تماما ً في تجديد الشباب , وقال لاورشنابي وهو يبكي , بكاء ًمريرا ً"لمن أضنيت ياأورشناي يدي , ولن بذلت دماء قلبي لم أجني لنفسي نعمة ما, بل لحية التراب جنيت النعمة "
ثم يتابع الاثنان طريقهما ..... ويصلان إلى أوروك وتنتهي الملحمة بوصف أوروك , ثم موت كلكامش الجزئي حيث يتسلل الموت تدريجيا ًإلى جسده .
*مصادر الملحمة : 
1)      المصدر السومري(دوّن في عهد أسرة أور الثالثة ) - المصدر البابلي
وينقسم المصدر البابلي :
1- النص البابلي القديم (2000- 1600) ق.م اعتمد على نسخ أكادية
2-النص البابلي الوسيط (1600- 1000) ق.م يعتمد على ملخص الترجمة الحثية والحورية , بالإضافة إلى كسرات من نسخ أكادية .
3- النص البابلي المتأخر (الأساسي ):1250 ق.م اكتشف في مكتبة آشور بانيبال في نينوى , وفيها قصة نوح (اتراحسيس ) (قصة الطوفان )
 
·         أثر الملحمة في فكر المنطقة : وخاصة أثر ملحمة جلجامش في كتاب التوراة , وأشكال ، وأكال تسرب معظم الأفكار  والتصورات الفلسفية والميتافيزيقية للملحمة إلى أسفاره وفصوله .حيث وجد قطعة من لوحة جلجامش في " مجدو " , تعود لنسخة عبرية مفقودة ,أي تم الاتصال طريق الاطلاع المباشر على الملحمة , حيث استقر الكنعانيون في أرض كنعان في الألف الثانية  ق. م , في عصر تداخل الثقافات وكذلك السبي البابلي , كان فرصة للتعرف على الملحمة .
·         جلجامش وسفر الجامعة :  يقدم لنا سفر الجامعة ,صورة واضحة عن مدى تأثر مؤلفي التوراة , بفكر الملحمة ,تأثرا ً يصل مداه الأقصى في التشابه الحرفي لبعض المقاطع , فنجد التشابه من خلال المقارنة التالية :


الجامعة 9:7-9                             جلجامش :اللوح العاشر , العمود3


1 ـ اذهب كل خبزك بفرح واشرب خمرك ،       1 ـ  وأما أنت جلجامش ,فاملأ وافرح ليلك ونهارك ,و
      لأن الله منذ زمان ،قد ارتضى عملك                  ارقص لاهيا ًفي الليل والنهار
2 – لتكن ثيابك نظيفة في كل حين ,بيضاء          2 – أحضر بثياب زاهية نظيفة . 
3 ـ  ولا يعوز رأسك الدهن (الأطياب)               3 – أغسل رأسك ,حمم جسدك   
4 ـ التذ عيشا ًمع المرأة التي أحببتها                  4ـ دلل صغيرك الذي يمسك يدك وأسعد زوجك بين أحضانك 
 5 – لأن ذلك نصيب في الحياة                      5 – هذا هو نصيب البشر .


  *جلجامش وأدم وحواء:ونجد أنه من ملحمة ، استوحت قصة آدم وحواء التوراتية            فكرتين :   
الأولى :فكرة المعرفة عن طريق الطقس الإدخالي للعقل الجنسي .
الثانية : دخول الحية كإحدى العناصر المسئولة عن خسارة الخلود .

*جلجامش وجنة عدن : أرض دلمو ن , هي جنة الخالدين ,في الملحمة البابلية , يسكن فيها اوتنابشتيم وزوجته ,وقد دخلت هذه التصورات في قصة الجنة التوراتية .
*جلجامش و التصورات الأخروية في التوراة :

الموتى في ملحمة كلكامش مكسوون بالريش , عليهم أجنحة كالطيور ,يأكلون التراب والطين ,ويسكنون في عالم تحت عالمنا الرضي و ودخلت هذه التصورات في مفهوم التوراة عن العالم الآخر .
*جلجامش وشمشون :

التشابه موجود في الصفات والاسم و أن شخصية شمشون الواردة في سفر القضاة تؤكد ذلك .
وأسمه مشتق من الاسم المصري لكلكامش ,من حيث القوة , وقيادته للعبرانيين ضد ّ الأعداء , حتى تمكنت منه امرأة اسمها (دليله ) عرفت سر قوته وضعفه وأسلمته لشعبها.
*جلجامش ونوح :

تحكي لنا ملحمة جلجامش قصة الطوفان الكبير وقد أتى كتاب التوراة , على رواية مطابقة , في سفر التكوين , لرواية الملحمة , نجد التشابه من خلال مايلي :
1 – فساد الإنسان , ورغبة إلهية في تدميره عقوبة له ,وتطهيرا ً للأرض .
2- قرار إلهي بإرسال الطوفان .
3 – وحي إلهي لأحد الرجال الصالحين ببناء السفينة , وحمل فئة قليلة ,ومن كل زوجين اثنين من حيوان البرية
4 – انزياح الطوفان , وقضائه على الحياة
5 – نجاة ركاب السفينة , واستقرارها على جبل عال .
6 – ندم القدرة الإلهية , وعهدها للإنسان.
7 – مكافأة بطل الطوفان  بحياة أبدية في الملحمة البابلية , وحياة طويلة استمرت ثلاثمائة وخمسين سنة في كتاب التوراة.
*كلكامش , في الأسطورة اليونانية :
قال بعضهم بانتقال الأفكار وتداولها , لتفسير حدوث التشابه ,بينما قال البعض الآخر , مفترضا ً أن العقل الإنساني يعطي استجابات متشابهة أمام مثيرات متشابهة , بسبب وحدة التركيب العضوي والبيولوجي للبشر أينما كانوا.
وكلا الطرفين على حق , ولكن كشف الحضارة المينوية في جزيرة , كريت , الحلقة المفقودة بين الثقافتين الشرقية والغربية , أكدت أنها أم الحضارة الإغريقية وهي حضارة سامية , لغويا ً وفكريا ً ودينيا ً .
*كلكامش وثيسوس : يظهر التشابه بين الشخصيتين تماما ً, حيث ولد ثيسوس أيضا ًمن غائلة ملكية , وكان يوسيدون إله الدم الإلهي , والقوة الإلهية في جسمه.
وقتله الميناتور (الثور الكريتي المتوحش ) , ومرافقة صديقه المخلص له بيريثوس اللذان نزلا إلى العالم الأسفل ,وترك صديقه بيرثيوس هناك وصعد هو إلى الأعلى .
جلجامش وهرقل :ولد هرقل في أسرة ملكية وهو رسميا ًابن ملك إليكترون ملك ميسينا , ولكن أباه الحقيقي هو الإله زيوس , الذي نام مع زوجة إليكترون  , بعد أن ظهر لها في هيئة زوجها الغائب في أحد غزواته , وقد أمر زيوس , هليوس إله الشمس أن يبطئ في الشروق .
وكذلك أمر القمر أن يسير الهوينى في كبد السماء .
وبذلك قضى زيوس مع زوجة اليكتريون ليلة واحدة تعادل ثلاث ليال من ليالي البشر ,لذلك ظهر هرقل خارقا ً من حيث القوة الجسدية , وقتله الثعبانين الهائلين وهو في المهد طفل صغير , وإليه يعزو اليونان , إقامة الألعاب الأولمبية , وأعمال تشبه أعمال كلكامش وحيث أنه نام عم خمسين امرأة في يوم واحد .....ولكن الفرق بين هرقل و كلكامش , أن هرقل ولد إلها ً وانتهى كإله , أما كلكامش فقد شرع في رحلته غير موقن من شيء , سوى أمل الإنسان . 

 *الخـــــاتــــمـــــة :
 هكذا نجد في ملحمة (جلجامش ) , شعور الإنسان بأنه إله تم تجريده من ألوهيته , حيث وضع في جسد ،تمنعه حدوده من تحقيق طموحه , المغدور به , في الوصول إلى امتلاك الألوهية . فجسده الضعيف يتناقص مع قوة عقله وروحه الموضوعين ضمن محيط معاد.
فهنا نجد إحساس (كائن) بفقدان إلوهية "ما " تم سلبها منه , مما أوحى بشعور من الفقدان والتوق إلى امتلاك الألوهية المفقودة ,الشيء الذي اصطدم كطموح معرفي لا محدود مع حدود الجسد الإنساني الخاضع لسلطة الزمن والموت
(واللتان يتوق الإنسان للسيطرة عليها وتجاوزهما) مما يولد تعاكسا ً بين الأمل والإمكانية .
لقد سرق بروميثيوس سر النار الإلهية من السماء ونقلها للبشر , جلجامش الآن يسرق لنا سر الحياة ولغز الموت .
وبعـــــــــد , من يستطيع القول أن جلجامش قد فشل ؟! ألا يزال بين ظهرنينا, يلسن بكل اللغات الحية التي ترجمت لها ملحمته ؟
عاد جلجامش كما أتى : أحكمت الآلهة طوقها حولها : منعت عنه حتى أدنى درجات الخلود .
ولكن ثورته باقية في أمل الإنسان وتوق العلم .
تحكي لنا ملحمة جلجامش قصة الطوفان الكبير وقد أتى كتاب التوراة , على رواية مطابقة , في سفر التكوين , لرواية الملحمة , نجد التشابه من خلال مايلي : 1 – فساد الإنسان , ورغبة إلهية في تدميره عقوبة له ,وتطهيرا ً للأرض .2- قرار إلهي بإرسال الطوفان .3 – وحي إلهي لأحد الرجال الصالحين ببناء السفينة , وحمل فئة قليلة ,ومن كل زوجين اثنين من حيوان البرية4 – انزياح الطوفان , وقضائه على الحياة 5 – نجاة ركاب السفينة , واستقرارها على جبل عال .6 – ندم القدرة الإلهية , وعهدها للإنسان.7 – مكافأة بطل الطوفان  بحياة أبدية في الملحمة البابلية , وحياة طويلة استمرت ثلاثمائة وخمسين سنة في كتاب التوراة. قال بعضهم بانتقال الأفكار وتداولها , لتفسير حدوث التشابه ,بينما قال البعض الآخر , مفترضا ً أن العقل الإنساني يعطي استجابات متشابهة أمام مثيرات متشابهة , بسبب وحدة التركيب العضوي والبيولوجي للبشر أينما كانوا.يظهر التشابه بين الشخصيتين تماما ً, حيث ولد ثيسوس أيضا ًمن غائلة ملكية , وكان يوسيدون إله الدم الإلهي , والقوة الإلهية في جسمه.وقتله الميناتور (الثور الكريتي المتوحش ) , ومرافقة صديقه المخلص له بيريثوس اللذان نزلا إلى العالم الأسفل ,وترك صديقه بيرثيوس هناك وصعد هو إلى الأعلى . جلجامش وهرقل :ولد هرقل في أسرة ملكية وهو رسميا ًابن ملك إليكترون ملك ميسينا , ولكن أباه الحقيقي هو الإله زيوس , الذي نام مع زوجة إليكترون  , بعد أن ظهر لها في هيئة زوجها الغائب في أحد غزواته , وقد أمر زيوس , هليوس إله الشمس أن يبطئ في الشروق .وكذلك أمر القمر أن يسير الهوينى في كبد السماء .وبذلك قضى زيوس مع زوجة اليكتريون ليلة واحدة تعادل ثلاث ليال من ليالي البشر ,لذلك ظهر هرقل خارقا ً من حيث القوة الجسدية , وقتله الثعبانين الهائلين وهو في المهد طفل صغير , وإليه يعزو اليونان , إقامة الألعاب الأولمبية , وأعمال تشبه أعمال كلكامش وحيث أنه نام عم خمسين امرأة في يوم واحد .....ولكن الفرق بين هرقل و كلكامش , أن هرقل ولد إلها ً وانتهى كإله , أما كلكامش فقد شرع في رحلته غير موقن من شيء , سوى أمل الإنسان .  هكذا نجد في ملحمة (جلجامش ) , شعور الإنسان بأنه إله تم تجريده من ألوهيته , حيث وضع في جسد ،تمنعه حدوده من تحقيق طموحه , المغدور به , في الوصول إلى امتلاك الألوهية . فجسده الضعيف يتناقص مع قوة عقله وروحه الموضوعين ضمن محيط معاد. فهنا نجد إحساس (كائن) بفقدان إلوهية "ما " تم سلبها منه , مما أوحى بشعور من الفقدان والتوق إلى امتلاك الألوهية المفقودة ,الشيء الذي اصطدم كطموح معرفي لا محدود مع حدود الجسد الإنساني الخاضع لسلطة الزمن والموت (واللتان يتوق الإنسان للسيطرة عليها وتجاوزهما) مما يولد تعاكسا ً بين الأمل والإمكانية . لقد سرق بروميثيوس سر النار الإلهية من السماء ونقلها للبشر , جلجامش الآن يسرق لنا سر الحياة ولغز الموت .وبعـــــــــد , من يستطيع القول أن جلجامش قد فشل ؟! ألا يزال بين ظهرنينا, يلسن بكل اللغات الحية التي ترجمت لها ملحمته ؟ عاد جلجامش كما أتى : أحكمت الآلهة طوقها حولها : منعت عنه حتى أدنى درجات الخلود .ولكن ثورته باقية في أمل الإنسان وتوق العلم .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 3.33
تصويتات: 12


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات