القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

نقد ادبي: رواية: بئر القدر

 
الأربعاء 20 ايار 2009


الجنس: رواية
العنوان:  بئر القدر
المؤلف: محمد أوزون

دراسة نقدية: بقلم خالص مسور

هذه الرواية التي جاءت على شكل لقطات فوتوغرافية متلاحقة، تندرج تحت مايمكن أن نسميه بالرواية التاريخية اوالسيرذاتية، أي أنها جاءت تتناول سيرة حياة بطل الأدب والثقافة الكرديين الأمير جلادت بدرخان بكل آلامها ومآسيها، حيث يتصف إسلوب الكاتب بالبساطة والتشويق في تناول روايته التاريخية فيفرش الأحداث أمام قارئه بشكل سهل ومبسط، وهو يربط لقطاته التراجيدية وأحداث الرواية والأحداث التي جرت للعائلة البدرخانية بشكل مأساوي مريريربطها ببعضها بكثير من الإبداعية ووالسلاسة بالقدر الذي يبدو فيه أوزون متمكن من فنه الروائي بشكل معقول.


- تلد ساميحا خانم ابنها جلادت بولادة عسيرة في (كادي كوي) وهي إحدى ضواحي مدينة استانبول التركية، ويأتي المولوود إلى الدنيا صامتاً صمت القبور، فبدا لأهله ميتاً لاحس فيه ولاحراك. وفيما هم فاقدوا الأمل في حياته وإذ بدا المولود يصرخ فجأة صرخته الأولى! ويتفاجأ الجميع بأنه لازال على قيد الحياة وأنه حي لم يمت. ومن استانبول يتم نفي عائلة والده أمين عالي بدرخان إلى عكا في فلسطين، فيستقلرون في قلعتها القديمة وعن طريق ماء البئرالقلعة يزرع جلادت وكاميران بستاناً نضراً يجنون منه مايلزم لطعامهم من خضروات طازجة. ومن عكا ترسل العائلة منفية إلى سبارطة في جزيرة كريت حيث يسكنون بيتاً خربة مهجورة، ولكنهم يقومون بتنظيف بئر الدار ويزرعون بستاناً هناك أيضاً. بعدها يقوم انقلاب جمعية الاتحاد والترقي التركية على السلطنة فيعود البدرخانيون الى استانبول وسط فرح غامر. وفي استانبول يتعرف جلادت على فتاة أرناؤطية تدعى (جنان) ولكن لم تدم الحالة بينهما طويلاً فيسافر كل من جلادت وكاميران إلى ألمانيا للدراسة في جامعاتها، ومن هناك يسافر جلادت لوحده ليستقر في بيروت ومنها إلى دمشق حيث استقراره النهائي فيها وفيها كانت نهاية حياته في بئر في ضواحي دمشق. تلك كانت رحلته في الحياة باختصار شديد، وحيث تمكن الروائي محمد أوزون من ربط محطات العائلة البدرخانية ببعضها في روايته بكثير من الذكاء والابداع.

وكما قلنا فان هذه الرواية جاءت على شكل الرواية الواقعية أو السير ذاتية وإذا ما بدأنا بدراسة ما يعرف بعتبات النص أو النصوص الموازية، فسنرى وقبل كل شيء أن الرسام أوالفنان، قام بتلوين جلد الكتاب من الطرفين بلون أسود داكن وهو ما يشير إلى سوادوية تاريخ العائلة البدرخانية ومعهم سيرة التراجيديا الكردية عموماً، فتاريخ البدرخانيين والكرد مليء بالمآسي والدماء والدموع والآهات، ويظهر ذلك خاصة عندما تبدأ الرواية بتلك الكلمات الحزينة المؤثرة:( كل واحد يموت، الأخ وابن الأخ، العشيقة والحبيب، الأصدقاء والرفاق، المحبون والمسافرون، والبعيد والقريب). وفي الحقيقة فغن الموت واللون الأسود للغلاف ينسجمان معاً، ويعبران عن الحزن والموت والمحن والشدائد. ولكن تبدو لنا من داخل هذا السواد الحاللك، يدين مضويتين وغليظتي الأصابع، ولا شك أنهما يدي الأمير جلادت بك نفسه. وتعبر هذه الأيدي والأصابع المضيئة والكتابة الثخينة عن بدء التنوير الكردي وإضاءة الذهنية الكردية وسط هذا السواد الحالك والليل الكردي المدلهم، وبذلك استطاع هذا الفنان الرهيف النفس أن يرسم لوحة منسجمة مع الموضوع في غاية التعبير والجمال.
- أما العنوان فرغم أنه جاء بكلمات عربية إلا أن هذه الكلمات أصبحت ملكاً للغة الكردية اليوم، وفي الحقيقة فقد وجدت هذا العنوان معبراً بعمق عن هذه التراجيديا الروائية التي أثارت حالة من الإنفعالات والأحاسيس والعواطف الجياشة لدى القاريء عموماً والقاريء الكردي خصوصاً.
- أما الإستشهاد بقول غوتيه القائل: (المزيد من النور). فهو في الحقيقة يناسب الحالة الكردية السياسية والاجتماعية التي هي بأمس الحاجة إلى إله للنور يطرد الظلامية في والطن الكردي الحزين.  فالكرد اليوم أحوج مايكونون إلى النور والضياء ليخرجوا من الظلمات إلى النور، فالتاريخ الكردي مليء بالآهات والدموع والحسرات. وبذلك استطاعت الرواية أن تعمق وبدون شك حالة من الوطنية الأثيرة في فضاءات الذهنية السياسية للقارء الكردي.
ولكن من جهة أخرى، فإن إهداء الرواية من قبل المؤلف إلى الأميرة روشن بدرخان زوجة الأمير جلادت فقط دون سواها من نساء الكرد، أراها غير مناسبة وجاء الإهداء ناقصاً، لأن الأمير جلادت بدرخان كان أكبر من أن تهدى أعماله وتاريخه لشخصية واحدة فقط من الكرد، بل ما قدمه هو حالة فريدة من نوعها يخص كل الكرد بدون استثناء وقد جاء الإهداء بالشكل التالي:(أهدي هذه الرواية إلى السيدة الجديرة والقديرة روشن بدرخان). أي ما أريد قوله هنا هو كان بإمكان المؤلف أن يهدي روايته إلى روشن بدرخان، وأن يذكر من خلالها إلى كل نساء الكرد بل وكل الأكراد في العالم وفي أي مكان وجدوا فيه.
وفي حديثنا عن المستوى الفني لرواية (بئر القدر) الحداثية نوعاً ما نقول عن الروائي الروسي القدير(تولستوي) الذي قال عن الرواية:(ان حياة الاسر الغنية متشابهة بينمل لكل عائلة فقيرة خصوصيته). أي أن تولستوي يرى أن الرواية الكلاسيكية كانت تهتم الحب والزواج والحرب والقتل...الخ. ولكن الرواية الحداثية اليوم تلجأ إلى إسلوب حديث فتعالج المسائل وتهتم باقضايا الجماهير، وفيها يتم التماهي بين الذات والموضوع غالبا. وبهذا الشكل تكيف رواية بئر القدر نفسها وتترابط أحداثها مع بعضها أي أنها تربط بين لقطاتها الفوتوغرافية بكثير من الابداعية والذكاء وبأدبية فنية وجمالية وذوق مرهف، وكل محطة من محطاتها هي بمثابة صورة أو سرد حي عن التاريخ المأساوي لحياة يطلها الكردي الفذ ولها أستطيع القول: بأنني وجدت مؤلف الرواية محمد أوزون وقد امتاز بخيال واسع ووصف بديع، خاصة في معرض وصفه للطبيعة وسيرة بطله الأيجابي وهو ما سنبينه لاحقا.
مرة أخرى نشير إلى أن هذه الرواية التراجيدية السينمائية والتي استطاعت أن تمرر محطات حياة بطلها الأمير جلادت أمام أعين القراء كشريط سيمائي توشيه الآهات والحسرات. ولكني أقول رغم أن مؤلف الرواية لم يأتي إلى ذكر تاريخ البدرخانيين إلا لماماً. ولكني اعتقد أن الموقف كان سيكون أجمل لو أنه توسع قليلا في أسباب خروج البدرخانيين نتيجة انتفاضتهم التاريخية على الأتراك وظلمهم، ولكن لاأدري ربما كان هناك التسلط والإستبداد يمنعانه من ذلك... وكما قلنا فإن المؤلف اتبع في روايته التقنية الدرامية وقد حقق استباقاً حداثوياً في روايته عن طريق السارد الاول المخفي وليس العليم بكل شيء، ليتدخل السارد الثاني بضمير المتكلم ويشرح الأحداث ويصحح أحينا للسارد الأول، أي أن المؤلف يبعد نفسه عن رواية الاحداث كنوع من تقنية فنية وتشويقية لروايته. كما استطاع أن يربط بذكاء بين صوره الفوتوغرافية ومحطات روايته، ولنستمع إلى الساردين لنراهما كيف يسردان الرواية بالتناوب كأنهما مغنيين كرديين يتناوبان في اختطاف الأغنية من أفواه بعضهما على طريقة مباراة المغنين الكرد، مع أنه غالبا ما يعبر عن لقطاته الفوتوغرافية  ويشرحها باللغة التركية ضمن الرواية أيضاً.
السارد الأول يقول: (هبط الليل قبل جلادت أولاده جمشيد وسينم، ونيمهم في الفراش......كان جلادت والليل لوحدهما، لا ليسا لوحدهما بل كانت هناك النجوم أيضا). هنا يعطي السارد الأول الدور للسارد الثاني والذي هو بطل الرواية جلادت بك نفسه ليتكلم بضمير المخاطب، ويجري حواراً يعبر به عن إحساساته وما يجيش في نفسه من انفعالات وأحاسيس فيقول:(من جهة أخرى صحيح ما تفوهت به في تلك الليلة التي تتحدث عنها في الحقيقة كانت ليلة خاصة كنت أتنقل بين جوانح حلم عميق).
- كما قلنا سابقا يستخدم المؤلف تقنية الفلاش باك أي ما يعرف بالخطف خلفا في سرد روايته وفي تصوير لقطات لوحات روايته الفوتوغرافية، كما في الكلام الآتي: (لقد استطعنا أن نصل إلى الدكتور أسد باشا فليرض الله عنه فلم يتردد في المساعدة......) ثم يعود خلفاً ويسرد قصة عائلة أسد باشا فيقول:(ينتمي أسد باشا إلى أسرة من الأرناؤط يسكن مع عائلته في كاديكوي  موداي، وعندما جهزالسايس العربة والحصان وفتح باب العربة صعد بدري باشا مع أخيه الأصغرالمدعو مراد إليها وذهبوا معا الى بيت أسد باشا....) 27.
وهكذا استطاع الراوي عن طريق هذه التقنيات الحداثية إضفاء الكثير من الإثارة والتشويق على روايته، كما استطاع توظيف شخصيات الرواية بشكل متقن وجميل كل في مكانه المناسب، ولكن وكما قلنا من قبل فإنه هنا أيضاً يعطي الدور الرئيسي للسارد الاول وللثاني أيضاً، ودائماً يكون دور السارد الثاني هو شرح وتوضيح مايقوله السارد الأول مثل قوله: (أتساءل ألم تكن مخطئاً في وصفك في المساء الفائت واعتقد ان ذلك أو ماقلته لم يحدث بهذا الشكل، صحيح أنني رفعت رأسي من القراءة وقلت لاأطيل عليك لا اوجع رأسكم،  بعدها قال حاجو آغا رأس من تقصد يا أميري العزيز؟ فبالعكس استمر في كلامك وسنكون مبتهجين بذلك...)
ومن جهة اخرى نستطيع القول بأن الحوار الذي يجري بين الساردين هنا يحقق أمرين اثنين
- الأول:إنه يوفرلقارئه عنصر التشويق ويبعد الملل عن نفسه أي أن القاريء يزداد ارتباطه بالرواية كلما تعمق في قراءتها.
- الثاني: هذه التقنية الحداثية استطاعت أن تدخل القاريء في جو الحدث، وأن تمرر أمام عينيه الحدث كشريط سينمائي متلاحق.
هذه التقنيات التي أتينا على ذكرها مثل السارد المخفي، والسارد الثاني والذي هو بطل الرواية جلادت نفسه، واستخدام تقنية الفلاش باك، والمونولوج، والديالوج.... كلها تعبر في هذه الأيام عن تقدم الرواية الكردية الحداثية والتي وظفها محمد أوزون في روايته بشكل جيد. ففي إحدى حوادث استرجاعاته نحو الماضي او الفلاش باك أو الخطف خلفاً يقول الراوي: (في البدايات الأولى للميلاد اجتاحت العشائر التركية كردستان واحتلتها ومنذ ذلك اليوم كونت العشائر التركية على الدوام دولاً قومية،  بينما بقينا على الدوام بدون دولة.... فماذا أقول هنا...لقد كانت علاقاتنا جيدة مع الغاصبين أحيانا وسيئة جداً أحايين أخرى، أي أنها كانت تتراوح بين السوء والتحسين، فلا ادري ماذا اقول..؟.)
هنا يظهر المؤلف الكثير من الحسرات والآهات التي تصعد من دواخل بطل الرواية، مظهراً حالته النفسية بكثير من الذكاء وخاصة حينما يظهر البطل حائراً يقول – ماذا يمكن أن أقول..؟. وفي الحقيقة فعندما يقول إن حياتنا نحن الأكراد استمرت مع الأتراح حيناً ومع الأفراح أحايين أخرى. أعتقد أن ذلك فيه شيء من اللبس والغموض وليس في محله تماماً كما أرى، إذ من الوقت الذي داس فيه الأتراك تراب كردستان وحتى اليوم فإن الأكراد لم يجدوا يوماً يرتاحون فيه من ظلم الترك وأعوانهم،ة فكان الكرد ولايزالون إما مقتولين أو أسرى يعدمون في أقبية وزنازين الجيش التركي.
مرة أخرى أقول لقد عرفت محمد أوزون ككاتب رواية يتميز بثلاث سمات أدبية فنية.
واحد: خيال واسع- وصف رائع للطبيعة- تقنيات رواية حداثية- هذا الخيال الواسع والتقنيات الروائية الحديثة ووصف الطبيعة تظهر كلها بجلاء في احداث نص روايته خاصة عندما يقول:(ستامبول وكاديكوي تتمايلان بين الرقصات.... وقد طوق البحر بشتى الصور الملونة بالأخضر والأزرق واتشح سطحه بالزرقة الغامقة. فيظهر من بعيد جمال آسرأخاذ...تتداخل الغيوم ولكنها تبدو ناعمة وغير ملونة. لاتبدو عليها الخوف من الثلوج والأمطار ولا العواصف والرعود. تتناغم مع جمال ظريف. كمن تبشر الدنيا بحياة جديدة مقبلة).
هنا خيال واسع ووصف رائع لجمال الطبيعة الخلاب يظهره المؤلف بكثير من الذكاء والإبداع وهو ما يمنح مكانة أدبية متميزة لمحمد أوزون مؤلف الرواية.
وقد أبدع في التعبير عن حالة الطبيعة بعباراته الأثيرة كما في: (كم تبشر الدنيا بحياة جديدة). هذه العبارة- فيما يبدو-   أوصلت القاريء إلى نهاية ملحمة من معاني ولقطات رومانسية حالمة في غاية الرقة والتعبيرتستدر عواطف القاريء وتهيج أحاسيسه وذكرياته الدفينة. وهنا نعطي لأنفسنا الحق مرة أخرى لنقول: جاء خيال الروائي هنا لتحاكي خيال الشاعر الكردي الكبير جكرخوين في قصائده التي توصف الطبيعة بكثير من الإبداعية والذكاء. وهكذا فإن محمد أوزون يميز نفسه كأديب بارع في مجال الوصف والخيال، ومن جهة أخرى فإن المؤلف يظهر وطنيته وحبه لوطنه بصوره الرمزية السمعية والبصرية وذلك في المقطع الذي يصف فيه المنطقة المحيطة بقصر بدري باشا عم بطل الرواية جلادت بك فيقول: (.....عندما ينضم إليها اللون الأحمر عندها تكتمل سيمفونية الألوان ولكن   تترائى الألوان الأكثر جاذبية والأكثر تحببا في قلوب الكرد: الأخضر، والأحمر، الأصفر) 21.
..................................................................     
             

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات