القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: كمال مظهر باحث جاد وأستاذ نبيل

 
الخميس 29 كانون الثاني 2009


عبدا لباسط سيدا
 
كمال مظهر مؤرخ جاد، واسم مرموق في ميدان الدراسات الكردية وتاريخ العراق الحديث. من القلائل الذين يجمعون بين وفرة النتاج العلمي والكفاءة المنهجية؛ هذا إلى جانب الأصالة والالتزام بالموضوعية. وقد أهّلتّه هذه السمات الراسخة لديه ليكون في مقدمة المؤرخين الكرد المعاصرين الذين تُعد آثارهم مصادر موثوقة، يعود إليها الباحثون في نطاق الدراسات ذات الصلة بالتاريخ الكردي المعاصر؛ أو تلك التي تتمحور حول تاريخ العراق الحديث.
 وهنا أتذكر جيداً شهادات الأساتذة العراقيين الذين التقيت بهم في ليبيا ما بين عام  1991 و1994، أولئك الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للخروج بعد النتائج الكارثية التي حلّت بهم بعد حرب الكويت عام 1991. فهؤلاء على الرغم من ارتباطهم القسري - على الأغلب-  بالسياسة الرسمية في ذلك الحين، كانوا يعبرون عن إعجابهم وتقديرهم لجهود الأستاذ الدكتور كمال مظهر البحثية، ويشيدون بدقته وأمانته العلميتين.


 وما يضفي أهمية خاصة على نشاط مظهر البحثي الدؤوب في المرحلة المعاصرة هو معاناة الجهد التأريخي في الوسط الكردي، والعربي أيضاً، من التخبط والتبعثر بين التفصيلات المملة، والخضوع لتوجهات النزعات المنغلقة على ذواتها بأوجهها المختلفة من سياسية وطائفية وقومية؛ وهيمنة القصور المعرفي، الناجم عن أحادية الرؤية، وتجاهل الحقائق والمعطيات التي لا تتناغم وتتوافق مع الرغبات التي تسيّر البحث، وتحدد مفاصله وأهدافه؛ أما النتائج فهي غالباً ما تتمثل في استخلاصات تفتقر إلى النزاهة المتسقة مع الوقائع، والتماسك المنطقي، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الإرباك والإحباط في الوقت ذاته.
ولعل ما نواجهه من سيل المبالغات، والابتعاد عن الدقة على صعيد مادة البحث، والافتقار إلى المنهجية في سياق التعامل مع المعطيات؛ أو الوصول إلى خلاصات عجائبية لا تصمد أمام النقد الخبير؛ لعل كل ذلك يعتبر حصيلة منطقية منبثقة عن المقدمات الخاطئة التي ينطلق منها البحث التأريخي  بين الكرد والعرب وغيرهما من شعوب المنطقة، التي تعاني من التخلف والفقر والدكتاتوريات بأسمائها وأشكالها المتعددة.
ومن باب التداعي، أذكر هنا حادثة جرت معي في أواخر الثمانينيات، وهي المرحلة التي كنت أعد فيها نفسي للانتهاء من أطروحة الدكتوراه التي ناقشتها لاحقا في قسم الفلسفة بكلية الآداب- جامعة دمشق عام 1991، وعنوانها: من الوعي الأسطوري إلى بدايات التفكير الفلسفي النظري- بلاد ما بين النهرين تحديداً؛ فقد جمعتني الصدفة وحدها مع أحد بائعي القطع الأثرية الذين لا يُحمد ذكرهم عادة، وذلك في مجلس أحد الأصدقاء. في تلك الجلسة وجّه الحضور إليّ جملة من الأسئلة حول التاريخ القديم للمنطقة وتداخلاته، في حين أن صاحبنا كان صامتاً طوال الوقت، يتابع ما نناقشه، ونتبادل بخصوصه الآراء والتعليقات في إطار دردشة عامة - إذا صح التعبير- تتسم بها الجلسات العفوية عادة. ولكن فجأة وجدته منتفضاً ليواجهني بسؤال غير متوقع قائلاً: هناك مملكة كردية أصيلة ظهرت في المنطقة قبل أكثر من أربعة آلاف سنة هل تعرفها؟ نظرت إليه مستغرباً مبتسماً، لاعتقادي بأن في الأمر دعابة، أو رغبة في التعجيز، ثم أجبته: لا، والله ليست لدي أية معلومات حول هذا الموضوع. ما اسم هذه الدولة وأين موقعها؟ فأجاب على الفور: إنها أورارتو. قلت: حسناً، وما هي الدلائل والإثباتات التي تؤكد ذلك. نظر إلي من طرف عينه بعنجهية تواري جهل صاحبها، ثم أردف قائلاً: الأورارتيون كرد وكرد. اقسم بشرفي وشرفك أنهم كرد أقحاح. حينئذٍ كان من الطبيعي أن ينفجر المجلس كله بالضحك، وتركنا الموضوع عند ذاك الحد. لكن الطامة الكبرى تتجسّد في أن العقلية هذه هي المتحكمة في غالبية الدراسات التاريخية - إذا جاز لنا أن نعطيها هذا الاسم- المستعجلة التي تُنجز هذه الأيام من قبل الكرد وغير الكرد في منطقتنا؛ والأخطر في الموضوع أن قسماً من تلك الدراسات يتستّر بعباءة الأكاديمية، الأمر الذي يُمعن في تضليل الناس، ودفعهم نحو استنتاجات ما أنزل الله بها من سلطان.
إن مرحلتي التوثيق والتصنيف هنا الأساس الذي لا يستغني عنه أي جهد تأريخي بحثي طموح. ونحن معشر الكرد من أكثر الناس إهمالاً لهاتين المرحلتين على الرغم من أهميتهما القصوى وخطورتهما التي لا تُقاس. فتراثنا هو شفوي في جلّه -لأسباب وعوامل لا مجال لتناولها الآن- وهو تراث غني حافل، لكنه يتعرض - وما زال- لإهمال قائل، أدّى إلى اختفاء جزء كبير منه مع رحيل أولئك الذين كانوا يحتفظون به في صدورهم.
كم من لجان طوعية أهلية أو رسمية شُكلت لتوثيق هذا التراث وتصنيفه، ليكون مادة أولية لمؤرخي المستقبل؟ كم من هيئة أو مجموعة بحثية تأسست لتبنّي مسألة توثيق اليوميات الكردية، توثيق تقتصر مهمته على ذكر مآسي الكرد، والإجراءات الاضطهادية التي تطبق بحقهم من دون توقف؟ كم من لقاءات جادة نظمت بين المهتمين بمثل هذه الموضوعات لتبادل الخبرات والمعارف، وتقديم الإمكانيات اللازمة لمن يحتاج إليها من الجيل الجديد؟ تساؤلات تطرح وتستوجب التمعن والتأمل من قبل أصحاب الشأن.
قبل أسابيع دُعيت إلى فيينا لإلقاء محاضرة حول حريق سينما عامودة الذي كان في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 1960، وكعادتي قبل كل محاضرة، هيأت نفسي قدر المستطاع احتراماً للحضور الكريم الذي من حقه على المحاضر أن يسمع كلاماً مفيداً، يثق بمصداقيته. ولبلوغ ذلك بحثت عن مادة معرفية يمكن الاعتماد عليها بعيداً عن القيل والقال؛ وقصص الخيال الشعبي التي غالباً ما تبتعد عن الحقيقة مع التقادم الزمني، وتحت تأثير المشاعر وطغيان الانفعالات. لم أجد أمامي سوى كتاب المرحوم ملا أحمد نامي المؤلف بالكردية وعنوانه وفق الترجمة العربية: حريق سينما عامودة؛ إلى جانب كتاب المحامي حسن دريعي: عامودة تحترق، وكنت قد قرأتهما مرات عدة، ومع ذلك أعود إليهما باستمرار حينما يتصل الأمر بسينما عامودة، على أمل الوصول إلى إجابات أكثر إقناعا بخصوص الأسئلة المفتوحة. هذا إلى جانب شذرات عابرة عثرت عليها في الكتاب الهام الذي يُعدّ بالفعل جهداً توثيقياً لمرحلة معاصرة لم يطلع عليه القسم الأكبر من الجيل الكردي الشاب ، والكتاب المعني هنا هو من تأليف الأخ سامي ملا أحمد نامي وعنوانه: صور من التاريخ المفقود، فالكتب الثلاثة تشكّل مع بعضها جهداً هاماً يمكّن من تكوين تصور أولي يلامس ما حدث بالفعل، هذا على الرغم من الانتقادات التي قد توجه إليها، وبصرف النظر عن الثغرات التي تعاني منها. ولكن السؤال الذي يفرض ذاته هنا، و يخص ما نحن بصدده، هو: كم عدد الحوادث والمآسي والآلام التي تعرض لها الشعب الكردي، وذهبت في أدراج الرياح، وكأنها لم تكن؟ أي حدث لا يُوثّق لن يبقى في ذاكر ة الأجيال؛ وكل ما لا تعيه ذهنية الذات العارفة لا يُقرّ بوجوده. نحن غالباً ما نقفز من فوق مراحل التوثيق والتنصيف، ومن ثم المعاينة والمقارنة، والتأمل والتمعن، لنصل مباشرة إلى مرحلة استخلاص النتائج وإصدار الأحكام القيمية المتناغمة مع الرغبات غير المشبعة، أو التوجهات السياسية الآنية، الموائمة لتطلعات هذا الزعيم، أو ذاك المدغدغة لعواطف الناس وحسهم الجيّاش.
في الصيف الفائت  حضرت فعاليات المؤتمر الدولي الـ 54 للآشوريات الذي احتضنته جامعة فيتزبورغ بألمانيا  في الفترة ما بين 20 إلى 25 تموز/يوليو 2008.، ترأس المؤتمر الباحث الألماني الشهير غرنوت فيلهلم الذي يُعد الباحث الأول على الصعيد العالمي في ميدان الدراسات الحورية؛ وقد ترجم الأخ الاستاذ الدكتور فاروق اسماعيل مشكوراً كتابه الهام في هذا المجال إلى اللغة العربية، وصُدر عن دار جدل عام 1996 تحت عنوان: الحوريون- تاريخهم وحضارتهم. ما يدفعني إلى هذا الاسترسال هو أن الدراسة المتأنية للتاريخ  الحوري من مختلف النواحي، خاصة ما يتصل منها بالانتشار والثقافة واللغة، تدفع بالباحث إلى اعتماد نظرية فحواها أن الحوريين هم من الشعوب القديمة التي ربما تشكل منها الشعب الكردي لاحقاً. وقد ناقشت هذا الأمر مع الأخ فاروق وغيره من الباحثين القلائل في هذا الميدان. إلا أن هذه النظرية تحتاج إلى جهد بحثي مكثّف على مختلف الأصعدة قبل أن يتمكن المرء من اعتمادها.
على أي حال، أعود إلى مؤتمر الآشوريات المشار إليه. حيث جمعتني الفرصة مع باحثين شابين واعدين من سوريا، وآخر شاب كردي من كردستان العراق؛ وكان المناخ مواتياً لنخوض معاً في جملة من الموضوعات، علمية وسياسية وغيرها؛ وكان التفاهم هو سيد الموقف، الأمر الذي يوحي بآمال كبرى، ويعزز الثقة بالأجيال المثقفة الشابة، هذا على الرغم من المنغّصات التي نواجهها هنا وهناك. ما لفت نظري في الباحثين العربيين هو ابتعادها عن التعصب والرغبة في التواصل مع الآخر المختلف، هذا إلى جانب الحس الوطني السليم الغيور على الوطن وأهله. أما ما استوقفني في الباحث الكردي الشاب كما أسلفت فهو الهدوء والتواضع المشوب بالخجل المؤدب، وابتعاده عن الغرور والادّعاء، على الرغم من معرفته الواعدة، وإمكانياته البحثية التي تبشّر بالخير. تناقشت معه بخصوص الحوريين باعتباره طالب دكتوراه في ميدان الدراسات اللغوية الخاصة بالحوريين؛ وكان الاتفاق هو الأساس فيما بيننا من جهة ضرورة وأهمية متابعة البحث الجاد الذي ينبغي أن يشمل سائر المجالات وعلى كل المستويات. قلت له: إذا كنّا نقرّ بالأصل الحوري للكرد، فعلينا أن نثبت ذلك بالقرائن العلمية، وندخل إلى قاعة هذا المؤتمر، ونعلن على الباحثين المختصين القادمين من جميع أنحاء العالم نتائج بحثنا، ونكون على استعداد للمناقشة، والاستماع إلى الآراء المخالفة، نتفاعل معها، ونرد على التساؤلات بنَفَسٍ علمي يمتلك القدرة على إعادة النظر في خلاصات بحثه إذا ما اقتضت المعطيات ذلك.
أما بالنسبة إلى كمال مظهر فالأمر مختلف تماماً، فهو يعتمد مادة جديرة بالبحث، يعاينها ويتأملها من الداخل؛ يقارن بين مختلف الروايات والوثائق، ويضعها بالتناغم مع منهجه الواقعي في سياقها الطبيعي. يضع المحددات، ويركز على المحاور الأساسية، ويُهمل التفصيلات التي تستهلك طاقات الباحث، وتسلّم القارئ إلى أحضان الضياع والملل. ينأى بنفسه عن الحشو الثقيل واللغو الفارغ؛ ويأبى الانسياق نحو النزعة الوضعية الترصيفية التي تخيّم على نتاج قسم لا يستهان به من الذين تندرج أسماؤهم في عداد المؤرخين؛ كما انه يمارس التحليل الموضوعي الذي لا ينحاز لعاطفة، ولا يُكبل بالهواجس الشخصية التي، في حال اختلاطها مع الجهد التأريخي، تؤدي بهذا الأخير نحو مواقع المبالغات التي ما كانت إلا للتغطية على الحقائق، وإعطاء القارئ صورة مضللة، قد تكون مطلوبة مفروضة عليه من قبل السلطان، أو متناغمة مع هلوسات مذهبية عنصرية، تستوجب الإشفاق على صاحبها قبل غيره.
ومن أجل كل ما تقدّم، تُعتمد كتابات كمال مظهر من قبل جموع الباحثين؛ وهي تمثل مادة بحثية، تمتلك مصداقية معرفية تؤهلها لتكون لَبِنات الزوايا في بناء التراكم المعرفي الذي نحن بأمس الحاجة إليه من أي كان.
المؤرخ الكردي العراقي المعاصر كمال مظهر مؤمن مطالب بالحوار العربي الكردي، وذلك استناداً إلى الاحترام المتبادل. يدعو إلى الوطنية العراقية على قاعدة الاتحاد الاختياري، والاعتراف بحق تقرير المصير. لذلك فهو يشدد على ضرورة الإقرار بالخصوصية الكردية؛ لأن الكرد ليسوا أقل من 20% من سكان العراق، وهم مكوّن سكاني قديم قدم التاريخ المعروف للمنطقة لا يمكن تغافله أو تهميشه. وانسجاماً مع هذا التوجه، يعاتب مظهر الاخوة العرب من باب “أنهم ربما يعرفون تاريخ كل العالم، لكنهم لا يعرفون تاريخ الكرد” .
كمال مظهر أحمد الحاج رسول من أهالي السليمانية، من مواليد ناحية اغجلر تابعة للواء كركوك عام 1937. حصل على البكالوريوس بمرتبة الشرف من جامعة بغداد عام 1959. حصل على درجة الدكتوراه من أكاديمية العلوم السوفيتية عام 1963، ودرجة دكتوراه ناووك من الأكاديمية نفسها عام 1969.
أصدر أكثر من 50 كتاباً؛ إلى جانب الإشراف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه؛ واشتراكه في مناقشة الكثير منها؛ هذا بالإضافة إلى جهوده النبيلة في المجمع العلمي الكردي، ومختلف اللجان والهيئات العلمية التي عمل في إطارها. من أهم مؤلفاته:
1 - كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى، ط1، 1977- ط2، 1984.
2 - ثورة العشرين في الاستشراق السوفييتي، 1977.
3 - أضواء على قضايا دولية في الشرق الأوسط، 1978.
4 - دور الشعب الكردي في ثورة العشرين العراقية، 1978.
5 - النهضة، 1979.
6 - الطبقة العاملة العراقية، 1981.
7 - ميكافيلي والميكافيلية، 1984.
8 - صفحات في تاريخ العراق المعاصر، 1987.
9 - كركوك وتوابعها: حكم التاريخ والضمير، 2004.
هذا إلى جانب كتابه المنتظر حول القضية الكردية في الوثائق البريطانية. 
هذه هي بعض عناوين كتاباته باللغة العربية، أما كتاباته باللغة الكردية فهي الأخرى كثيرة، يمكن للباحثين العودة إليها، والاستفادة منها.
لن أسهب أكثر في الحديث عن الأستاذ الدكتور كمال مظهر؛ وذلك لأفسح المجال أمام القارئ الكريم، ليكتشف هو بذاته أصالة الرجل ودوره الرائد في ميدان البحث التأريخي الموضوعي من خلال المادة التالية التي كتبها عَلَمٌ آخر من أعلام الكرد والعراق، رحل عن دنيانا قبل سنوات، إنه مسعود محمد الذي عُرف هو الآخر بجدّه واجتهاده، وأصالته في ميدان الفكر الفلسفي.
 أما المادة المعنية هنا فهي في الأساس نص رسالة تكريمية، كُتبت بمناسبة ستينية الدكتور كمال مظهر؛ وهي غير منشورة. قدمها إلى مشكوراً الأخ الصديق فرهاد شاكلي، المدرس في القسم الكردي - كلية اللسانيات بجامعة أبسالا/ السويد، متمنياً عليّ نشرها، وذلك من باب الوفاء للباحثين الجادين اللذين سيكونان موضع الاعتزاز المستمر من قبل الأجيال القادمة.
-------
جريدة الاتحاد

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات