القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

نقد ادبي: نظرة انتقادية في كتاب «الأدب الشفاهي الكردي- الجزء الثاني» لمؤلفه الأستاذ: علي الجزيري

 
الأربعاء 24 كانون الأول 2008


  خالص مسور

في البداية لابد من كلمة شكر للصديق علي الجزيري الذي أمضى شهوراً وسهر الليالي يراجع الوثائق ويتصفح الكتب وينقل من الشفاه ويضيف إليها ما حفظه في قلبه من تراثنا الكردي العريق، حتى أخرج لنا كتابه الجديد والموسوم بـ(الأدب الشفاهي الكردي) الذي أغنى المكتبة الكردية - بدون شك - وساهم في حفظ ولو جزء من أدبنا الشفاهي وحمايته من الإندثار والسطو والضياع، فجهده مشكور ونبيل، والكتاب أنيق الطبعة جميل.


وليعذرني الجزيري وغيره من الاصدقاء ممن ورد اسمه في هذه المقالة النقدية الإجتهادية، لأن الغاية هو النية الحسنة والتقويم لاالتجريح، حيث يترتب علينا أن نمارس نقداً جاداً أدبياً وثقافياً لكل ما يصدرمن كتاباتنا وكتبنا ولكل الجوانب الإجتماعية والسياسية والإقتصادية في مجتمعاتنا...الخ. ولكن بدون تجريح أو تهديم أي نقداً تقييمياً بناء يأتي في صالح الكتاب ومايكتبون وفي صالح إعطاء قرائنا الأعزاء المعلومة الصحيحة والمفيدة متجنبين الجوانب الشخصية للكاتب ومتناولين كتاباته ونتاجاته فقط لأن السكوت عن النقد خطأ وبدون النقد الجاد والهادف لايمكننا أن نتقدم ولو خطوات إلى الأمام. ومن هذا الباب قمت بتدوين هذه الدراسة النقدية لكتاب الصديق علي الجزيري عسى أن أكون قد أفدت واستفدت.
يبدأ الكتاب بالإهداء إلى والدة المؤلف وهو ما يعني الطي والتخصص وهو ضد النشر بلغة البلاغة والنقد، ولكن يعتقد أن المؤلف أهدى كتابه في الباطن من خلال أمه إلى كل أمهات كردستان اللواتي حفظن تراث شعبهن باقتدارفي صدورهن. بعدها تأتي خمسة فصول وكل فصل مخصص لموضوع من المواضيع التراثية. ولكن وبما أنني لا استعرض هنا الكتاب بل سأبدي رأياً انتقادياً مع بعض الملاحظات التي أراها ضرورية، نظراً لما تتطلبه المصلحة المعرفية التراثية، ولإكتمال الفائدة والمتعة من الكتاب بالنسبة للمهتم بالتراث الكردي، وهو ما نراه مفيداً، ويضيف رصيداً إلى رصيد الكتاب حسب رأينا واجتهادنا المتواضع وسنقوم باستبيان آرائنا وتوضيحها بالشكل التالي: وهذا لايعني أن الكتاب لاتحوي إيجابيات بل سنعمد إلى تناول الجوانب التي نراها لم توف التراث الكردي حقه، وكل شيء في هذا العالم نسبي ولاكمال إلا لله.
1- فإذا ما دققنا قليلاً في العنوان وهو(الادب الشفاهي الكردي) نراه لاينسجم تماماً مع المضمون الكتاب، لأن 10 % فقط من الكتاب يختص بالتراث الكردي والباقي عبارة عن أقوال لتراثيين مستشهد بها ولاضرورة لها، كما أن الاقوال جاءت بشكل عام لاصلة لها بالتراث الكردي، وإذا ما حذفنا كل هذه الإستشهادات التي لالزوم لها لنقص حجم الكتاب إلى النسبة المذكورة أو مايقاربها. ولهذا أرى أن يكون الكاتب التراثي دقيقاً في تقديمه وتحليله للعبارة التراثية وألا يدخل القاريء في دوامات لاطائل من ورائها، قد تؤدي إلى المفاهيم المعكوسة وبالتالي تشويه تراثنا بأيدينا. وقد نلحظ على الدوام الكثير من هذه الأمورغيرالدقيقة العفوية وغيرالمتعمدة طبعاً من قبل الكرد المهتمين بفولكلورهم وتراثهم.
2- مرة أخرى أقول: إن المقدمة النظرية للكتاب البالغة أكثر من أربعين صفحة جاءت طويلة، وكان بالإمكان الإستغناء عنها بصفحة ونصف أو صفحتين على الأكثر، حيث لاداعي لكل هذه الإستشهادات بكل هذه الأقوال المنقولة من التراثيين العالميين. والسطورالتي هي خارج أقواس والتي تبدو أنها للمؤلف هي ذاتها عبارة عن تقديم مختصر لتلك الأقوال الموضوعة بين قوسين استشهد بها السيد مؤلف الكتاب فمثلاً، يقول المؤلف في الصفحة 78 وتحت عنوان حكاية الحيوان (عناصرها الفنية): (باديء ذي بدء، لابد من التأكيد من أن الحكاية الشعبية عامة وحكاية الحيوان بخاصة، تغلب عليها البساطة والشفافية). فحتى هاتين الكلمتين من قوله البساطة والشفافية جاءتا مقتبستين – ودون إضافة شيء- إلى مما سيستشهد به مباشرة من مقدمة لقول (هادي نعمان الهيتي) المنشور في سلسلة عالم المعرفة والذي أورده المؤلف واستشهد به حيث يقول الهيتي: (وتتجلى سمة البساطة في الإسلوب واللغة والبناء، حيث تخلو الحكاية من التعقيدات اللغوية......) نلاحظ أن المؤلف اضطلع على القول أولاً ووجد فيه عبارة البساطة ثم قال ما قاله في مقدمة استشهاده واقتصر دوره على القول بأن: حكاية الحيوان (تغلب عليها سمة البساطة والشفافية). وهكذا فكل الفصل الأول البالغ أربعين صفحة ويزيد أومقدمته النظرية عبارة عن أقوال لمؤلفين تراثيين تمضي هكذا وعلى هذا المنوال، فلم يكن هناك داع لإيرادها كلها، وإنما كان يمكن الإكتفاء ببعضها توفر على حيثيات التراث الكردي لإعطاء فكرة عنها للقاريء وكفى.           
3- وفي قول السيد المؤلف الوارد في الصفحة - 9- من الكتاب يقول: (والباعث الأهم الذي دفعني – رغم كل ما ذكر- لخوض عباب هذا البحرالمتلاطم الأمواج، هو الدين الذي يتوجب اسداؤه لبني قومي الطيبين، ممن يبنون الآمال العريضة على أمثالي).  
في الحقيقة تكمن في كلمة/أمثالي/ نظرة استعلائية من صديقنا العزيزعلي الجزيري ولوأني  أعتقد أنها غيرمقصودة منه ولكني وفي كل الأحوال كنت أود أن يبتعد عنها، حيث من المفروض أنه تراثي لبس مسوح القديم وبدأ يبحث بتواضع عن قصة تراثية قديمة هنا وحكاية قديمة هناك ليخدم شعبه، ولكن بدون أن يمن على هذا الشعب الذي من عليه أعداؤه ما منوا وحولوه إلى أقنان القرون الوسطى، ولهذا علينا ألا نمن عليه بدورنا فنزيده هماً على هم ونقول أنه يبني الآمال العريضة على أمثالي بضمير المتكلم المفرد. بل أن المثقفين الكرد أيضاً يبنون آمالهم العريضة على هذا الشعب الذي بقي محافظاً على تراثه يحفظها في صدوره المكلومة منذ مئات بل آلاف السنين تحت وطأة الظلم والمعاناة والقهر والفقر، بينما اقتصردورهذا المثقف على تجميع ما حصل ونقش في هذه الصدور، فلو لم يحتفظ الأجداد بقديمهم وموروثهم فمن أين كنا سنكتب كتباً عن الأدب الشفاهي الكردي أو غيره..؟. وحول هذه العلاقة بين التراث والمثقف يقول الفيلسوف المصري الدكتور زكي نجيب محمود مايلي: (فمثقفوا اليوم بغير تراث ينظرون إليه، هم حبات مفردة يعوزها الخيط الذي يسلكها في عقد واحد، وكذلك لو هبط علينا التراث بغير مثقفين يتناولونه تناولاً خلاقاً فيه مشاركة وإبداع، يظل قشرة ولا لباب)- تجديد الفكر العربي- ص- 250.  محمود ولهذا أعتقد أن ورود كلمة /أمثالي/ هنا أمرغيرمنصف واستعلاء في غير محله ولو أنه - كما يبدو- صادرمن قلب محب بدون شك!. ولكني أجزم بأن الشعب أي شعب ليس وحده بحاجة إلى مثقفيه فالمثقفون أيضاً بحاجة إلى شعوبهم بعلاقة جدلية محضة. ولهذا فكل من الطرفين بحاجة إلى الآخر، فيحتاج المثقفون شعوبهم مثلما تحتاج الشعوب مثقفيه. فلايجوز لأحد الإستعلاء على الآخر بياء /المتكلم/ أو بالضمير/أنا/ ولوعفوياً. ولهذا كثيراً نسمع من على الفضائيات العالمية بعض الباحثين يقولون /أنا/ ثم يستدرك ليقول أعوذ بالله من كلمة أنا! لأنهم يرونها كلمة استعلائية لايجوز التفوه بها أمام الملأ من الناس.
4-  هناك نوع من انعدام الدقة والوضوح لدى السيد المؤلف في بعض عباراته التراثية العلمية، مما يدل على التسرع وعدم التدقيق في دلالة اللغة العلمية للعبارة التراثية كقوله: (فالتاريخ يخبرنا مثلاً: السكان الأصليون: المايا والتوتاك والمكسيكاس)، ممن كانوا يدينون بمعتقدات خرافية، قبيل الغزو الأوربي للعالم الجديد منذ أكثر من خمسمائة عام، بدليل أن الهنود الحمر كانوا يسألون الغزاة يومها...)
فكلمة (بدليل) دلت هنا على ماذا..؟ إنها لم تدل على شيء، والأصح هو أن يأتي بعد كلمة مكسيكاس القول: (كانوا ممن يدينون...) وليس ممن كانوا يدينون. حتى يستقيم الكلام ويفهم القاريء أن المقصود هو القول بأن هؤلاء كانوا يدينون بمعتقدات خرافية، مما يدل مرة أخرى على التسرع والإستعجال من قبل السيد المؤلف.
5-  إن تعليق السيد المؤلف على مغزى ملحمة زمبيل فروش جاء معكوساً في غير محله تماماً حينما يقول: أنها(تقدم صورة المرأة الكردية الوفية) وهو العكس تماماً فالقصة - كما تبدو - هي من صنع رجال المجتمع الذكوري الأبوي الذي يدين المرأة على الدوام بسبب وبدونه، وفيها يظهرالرجل كحمل وديع يخشى الله في السروالعلن. وبالفعل فقد رأينا صورة زمبيل فروش المشرقة وأخلاقه الإسلامية العالية والوفاء والإخلاص لزوجته وأولاده ولربه العلي القدير. بينما رأينا من الجانب الآخراستهتارالمرأة المتمثلة بزوجة الأمير بقدسية الزواج والخيانة وفعل الحرام الذي أرادت ارتكابه مع زمبيل فروش فراوددته عن نفسه ودعته إلى فراشها الزوجية ومخدعها في سبيل متعة عابرة وشهوة زائلة. فأي وفاء هذا لإمرأة متزوجة تدعو شخصا كبائع السلال إلى فراشها الزوجية لتسلبه إخلاصه ووفاءه ودينه وأخلاقه أيضاً..؟. وهكذا جاء تحليل المؤلف للقصة بشكل معكوس تماماً، مما يؤدي إلى إرباك القاريء وإعطائه معلومات مشوهة عن مغزى الملحمة الكردية تماماً.
6-  وفي أماكن أخرى - وكما قلنا سابقاً- لايبدي المؤلف إلا القليل من الإجتهاد والتحليل في كتابه التراثي الجديد فمثلاً: حينما يريد التحليل أو بالأحرى التعليق على موقف آت، فإنه يكتب سطراً أو سطرين وهما مستنبطين مما سيأتي به من أقوال للآخرين كتمهيد لهذه الأقوال لاغير فمثلاً يقول: (فالمسالة لاتصح في أن نحتكم في حاضرنا لتلك المعايير .....) ثم يورد لذلك سببين والسببان هما مستنبطان من أقوال الآخرين في التراث بشكل عام ومن تبيانهم لا منه ولا من أقواله أي دون أن يقارنها ويسندها ويتمثلها في التراث الكردي، لأن في التراث الكردي خصوصية تختلف عن خصوصيات الآخرين وما قالوه في تراثهم أو في التراث بشكل عام. وهذا نوع من الإتكالية في التحليل الميثولوجي للتراث ويؤدي إلى خلط التحليل بين التراث الكردي والآخرين وإزالة الخصوصية والبؤرة التمييزية الحاصلة بين كاريزمات التراث الكردي ومثيلاتها من تراث الآخر.
7- يستخدم كلمات ماركسية عصرية في كتاب تراثي موضوعه كل ما هو قديم وعتيق والكلمات العصرية هي على سبيل المثال (التقدمية، والرجعية، والنتاج المادي ....) فما دخل هذه الكلمات العصرية بالتراث الكردي القديم، وهو ما يعكس مرة أخرى خلطاً غير مستحب بين القديم والجديد بين الأصالة والمعاصرة حسب التعابيرالجديدة.
8- وبما أن الكتاب يفتقر في معظم صفحاته الى شيء من التحليل الميثولوجي للحكايات والمأثورات الكردية، وحتى لايتحول الكتاب إلى عملية تجميع فقط، كان يجب أن يشير المؤلف ويحلل للقاريء الحكمة الكردية التي تستبطنها قصة (الثعلب والملك) وقول أحدهما للآخر: ( سأظل أقسم بالذيل المقطوع وستظل تحلف بشاهدة قبر ولدك)، وأن يتوصل منها إلى استنباط شيء من خصوصية العقل الكردي ومدى التحجرالمفاهيمي والقيمي لدى الكرد، أي البعد عن التسامح وعدم وجود حل وسط في المفاهيم الكردية القديمة، فإما صداقة وإما عداوة ولاتوسط بينهما، أوأن الكرد يحلون مشاكلهم بالخنجرفي الغالبية العظمى من حالات الخلاف والإختلاف.
9- استخدام السيد المؤلف عبارات لا تمت إلى التراث الكردي بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، مثلاً: كاستخدامه فواتح التراث العربي في الحكاية الكردية التراثية، مما يؤدي إلى تشويه ثوابت التراث الكردي وإنحلاله التدريجي. وهذا خطره لايقل عن التتريك والتعريب والتفرس ذاته، مثل إيراده الفاتحة التراثية العربية (كان يا ما كان، في قديم الزمان وسالف العصر والأوان...) في فاتحة قصة (سليمانى زندي) الكردية. فهذه ظاهرة غير صحية البتة، فهناك بدلاً منها الفاتحة الكردية الشهيرة حيث يبدأ الكرد بها حكاياتهم التراثية الخاصة بهم وهي قولهم:
Hebû nebû, rehme l'''' dê û bavê min û we bû
أو
 (Hebû tine bû, rehme l'''' dê û bavê min û te bû ).
ويمكن ترجمتها بـ: (كان ياما كان، رحم الله والدينا نحن الإثنان)
10- هناك خلط في دلالات العبارة السردية لدى السيد المؤلف، مما يفقد جزءاً من الإثارة والتشويق ويؤدي إلى تشويه مضمون العبارة الحكائية، كما في سؤال والدة سليمان زندي له عن نقطة ضعفه والذي هو يسميها (سر ضعفه): (ذات يوم سألته أمه عن سر ضعفه). والعبارة الصحيحة هي أنها تسأله عن نقطة ضعفه وليس سرضعفه، حتى يمكنها معرفة نقطة الضعف لديه ويمكنها الإيقاع به بمساعدة عشيقها العفريت. ولهذا فإن من يقرأ العبارة (سر ضعفه) سيظن أن سليمان سندي أو زندي قد أصابه الهزال والمرض ثم تسأله أمه عن صحته وسبب ضعفه وهزاله، أي نكرر القول: بأن الأصح هو أن أمه تساله عن نقطة ضعفه لا سر ضعفه. فإذا ما أردنا أن نسأل أحداً أين مكمن ضعفه وكيف يمكن أن يصبح ضعيفاً نقول له: أين تكمن نقطة ضعفك؟ وأركزعلى نقطة ضعفه لا سره. ومن هنا كان تركيزنا على الدقة والوضوح في سرد النص التراثي وأن نميز بين العبارات اللغوية ودلالاتها السياقية والمفاهيمية كما أوضحنا أنفاً.
11- وفي معرض استشهاده بالقصة التراثية (الذئب والعنزة) التي كتبتها الشاعرة الكردية (ديا جوان) تم استبدال الإسمين الكرديين التراثيين الجميلين (شنكى وبنكى) باسمين معربين وهما( غزالوك ودلالوك) وهو ما يخرج نصف الحكاية عن مجال التراث الكردي، لأنه وحسب النقاد الجدد للأدب فإن العنوان هو نصف الحكاية أو نصف النص. ولهذا أصبحت الحكاية أشبه بــ(الإمدوكود) السومري لها رأس عربي وجسد كردي، بينما لم يشرالسيد المؤلف إلى تعريب عنوان هذه الحكاية التراثية لا من قريب ولا من بعيد بل استشهد به وقبله، مما يدل على تجاهله لمدى خطورة هذا العنوان الدخيل والحذف المعرفي المثير الذي طال عنوان القصة التراثية الكردية العريقة والمثيرة. وهذا يشير مرة أخرى إلى عدم الدقة في قراءة النص التراثي وإيفائه حقه من الشرح والتوضيح والتحليل!!!
12- وهناك تساؤل يتبادرإلى الذهن من خلال قراءة الكتاب وهو: تحت أي بند معرفي يندرج مثل هذا الجلد للذات والإستشهاد بالهذيانات السياسية للآخرين وحثالات أقوالهم وإشاراتهم العنصرية إلى الكرد بدون وجه حق في كتاب تراثي معرفي سيقرأه الكرد وغير الكرد..؟. فمثلاً القول بأن: (ثلاثة عاثوا في الأرض الفساد: (الكوردي والجرذي والجراد) فهل يليق إيراد مثل هذه الترهات العنصرية للآخرين وفضح الكرد أمام القراء بكلمات ماأنزل الله بها من سلطان؟ وهل هذا هو من التراث الكردي أم هذيانات عنصرية من قبل مخترعيها ممن يملكون حقداً دفيناً على الكرد ويخترعون المثالب عليهم بمناسبة وبدونها؟ وغير خاف على أحد بأن إيراد مثل هذا القول هنا يسيء لمشاعرشعب بأكمله؟ فنحن هنا أمام كتاب عنوانه هو: (الأدب الشفاهي الكردي). وليس صورة الكرد في عيون الآخرين ونظراتهم إليهم. نعم قد نستشهد بآراء الآخرين للمقارنة وتدعيم الرأي ليس إلا، ثم أن إيراد هذا القول بهجومه اللاذع غير مناسب هنا، ثم أنه لايرقى إلا إلى عصرظهورالأفكارالقومية المتعصبة لدى الآخرين وظهورموجة المهاترات السياسية في المنطقة منذ أمد غير بعيد، أي أنه ليس بقول تراثي حتى لأهله بل هو قول سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى. والخلاصة لاأرى هناك من داع ومناسبة للإستشهاد بمثل هذه الأقوال السياسية والعنصرية مطلقاً في كتبنا التراثية، وهو ما أساء إلى سمعة الشعب الكردي الذي قورن هنا وبشكل مسيء للمشاعربالجرذان والجراد، في قول قد يخجل حتى أصحابه من ترداده.
13- وفي معرض تحليل السيد المؤلف لقصة (الملا والمرأتين) يقول: (..... تعاركت المرأتان واشترط الملا أن يضاجع الخاسرة منهما فوافقتا دون تردد...). ثم يعلق المؤلف في تحليله ويقول: (لأن كل واحدة منهما كانت واثقة من نفسها بأنها ستكون الفائزة لامحالة). ولكني أرى الأصح هوأن المرأتان وافقتا لأن أحدهما ستفوزبالنصرعلى الأخرى، والثانية ستفوز بالجنس وبمضاجعة الملا وهما رابحتان في الحالتين. والقصة تشيرهنا في مغزاها إلى مكرالملالي وجنسيتهم وحبهم للنساء من جهة، وإلى جنسية النساء وسذاذجتهن من جهة أخرى.
14- وتحليل آخر أراه بشكل مغايرأيضاً، وهو ما ورد في معرض تعليقه على قول الشاب الذي استند على الحائط يستدفيء بالشمس فقال وهو ينظرإلى خبرة أو مستنقع مملوء بالماء:
- آه لو كانت هذه المياه كلها (شوربة عدس)
-  فرد عليه أحد المسنين العارفين بواقع الحال على الفور:
- أجل يا بني ، شرط الا تكون المدبرة (أي ربة الاسرة) والدتك.
وجاء تعليقه بالشكل التالي: (والظاهر أن المرأة المذكورة(والدة الشاب)، كانت مبذرة، وتتصرف بأموال زوجها على نحو سيء).
ولكن الصحيح والأنسب هنا هو أن سيدة البيت كانت مقترة لامبذرة، لأن المسن كان يدرك أن لا هو ولاغيره سيستفيد من بحيرة العدس هذه من تحت يدي أم الشاب البخيلة المقترة والتي سوف لن تمنح عدسة البحيرة لأحد إلا بالتقتيروالتدبير، فلا فائدة حينها ترجى من بحيرته العدسية هذه!. لأن من يتمنى أن يأكل يدلل على أن والدته لا تشبعه لبخلها وتقتيرها، بينما الوالدة المبذرة فابنها شبعان على الدوام تصرف على نفسها وأولادها وتشبعهم مهما كانت فقيرة معدمة، وعندها سيأتي الزوج بحاجتها ومصاريف بيتها أينما كانت ووجدت.
15- أما ترجمته لقول اسماعيل المجنون فتغلب عليها طابع التكلف بعيداً عن لغة المجانين والعوام من الناس، فهو يرده بالشكل التالي: (أنتم تحتسون الخمر لتجننوا مثلي، أما إذا ما احتسيت أنا الخمر فماذا سيصيبني)؟.
حيث لكل طبقة اجتماعية - كما يقول العلماء- لغتها المميزة، فليس من المعقول أن يرد على لسان هذا المجنون المثالي الأمي الشديد الجنون كلمة/تحتسون أواحتسيت/ العربية الفصيحة جداً. بل يجب أن تكون الكلمة الواردة شعبية وعلى مقاسات قائلها، فالأصح والدارج هوما قال: أنتم تشربون الخمرلتصبحوا مثلي، أما إذا شربت أنا... فمثل من سأكون؟.    
16- هناك ربما خطأ تاريخي معرفي ورد في قول السيد المؤلف: (كاستحضارالخروف الذي افتدى يعقوب). والصحيح هو الكبش الذي افتدى اسماعيل حسب الرواية القرآنية، أواسحاق حسب الرواية التوراتية، وليس يعقوب.
17- وجود إشكالية أو خلل لامنطقي في العملية السردية ونوع من عدم الترابط في موضع واحد على الاقل في قصة زمبيل فروش فمثلا يقول:
وصل البائع إلى مدينة أخرى،
وبدأ يمتهن مهنة السقاء،
وفي أحد الأيام، بينما كان يملأ قرابه بالماء،
رأته الأميرة،
طلبت منه  قبلة...
التشديد بالأسود جاء من قبلي لأن الإشكالية هنا هو: كيف هرب زمبيل فروش من الأميرة إلى مدينة أخرى؟ وكيف رأته الأميرة على النبع المفترض يملأ قربته من مياه النبع؟ وكيف التقيا وهي في مدينتها؟ وحتى إن كانت هذه قصة من نسج الخيال فيجب البحث عن عملية ترابط أركان القصة فربما كان هذا الرباط موجوداً ولكنه تعرض للضاع، وذلك لئلا تتحول القصة عندها إلى خرافة شائعة.
18- وأخيراً، جاء استشهاد السيد المؤلف ببعض الكتاب المحليين إقحاما في الموضوع ونوع من المحاباة لاغير.
هذا ما أستطعنا إخراجه وتوضيحه من نظراتنا النقدية لهذا الكتاب التراثي. مع الشكر للصديق علي الجزيري ولكل من كتب حرفاً واحداً في خدمة شعبه ووطنه وفي خدمة قضاياه العادلة والمصيرية.

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات