القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

غيوم أدونيس

 
الجمعة 03 تشرين الاول 2008


جميل داري

خواطر في كتاب " ليس الماء وحده جوابا عن العطش " لأدونيس

نفسه الآن أمارة بالرؤى الآبقه
فتراه يحدق في" سرة امرأة عاشقه.."
متخم بالقصيدة راتعة في غياهبها الغامقه
للقصيدة وجهان:
وجه جميل.. وآخر أجمل
وهو بينهما.. بهموم القصيدة مثقل
أدونيس.. شاعر من طراز فريد
عاشق.. كل أرض تلبي له ما يريد
راحل في مسافات طيونة أو يزيد


مبحر في الظلام
يتوسد خد الغمام
هو أعلى من الريح..
أدنى من القلب... من شرفات الكلام
كل فجر ينهض ليعلم العصافير أبجدية الغناء.. يستغيث بغيوم الزمان والمكان والمدن التي زارها وتركت في قلبه وشم الجهات المفتوحة على مصاريعها ..
عاشق للغيوم التي تتبخر من حرارة الشعر... لا يستريح سوى في الهزيع الأخير من الفاتحه
يتشظى... يرمم أحلامه السارحه..

أ-غيمة فوق نيويورك:

" يمتطي مدفعا للوصول إلى نفسه ولا يصدق الخوذة التي تؤكد أنها ياسمينة ولا البندقية التي تبشر أنها شجرة من أشجار الجنة.."
ملء عينيه أسئلة لا يجاب عليها..انه ما زال جنينا.." لم يولد بعد.. فحياته تتمرن على الولادة.."
تحت هذه الغيمة النيويوركية يتخيل أهله وأرضه ويسترجع ذكرياته الخوالي العصية على الأفول

ب-غيمة فوق البحر الميت:

في يديه خيوط الألم
ليحوك بها طيلسان العدم
يضحك الوقت..
لكنما.. كل ما حوله في الطبيعة يبكي
ينتمي لبلاد... يحب قراها وعشاقها
إنما ليس يعرفها حق معرفة
ولذلك يقترف الجلجله
ثم.. يدخل مدرسة البحر الميت حاملا كل أسئلة المرحله
ثم.. ترتد صاغرة تلكم الأسئله
ثم.. يخرج محتملا ألف جرح وشك
هل رأيتم" يبابا يفتش عن قارئ أخضرا..؟ "
هل قرأتم كتاب الجنون الذي احتضرا..؟
كم يحدق في مرآته... ليس يبصر إلا الزبد
ياه ..كيف يهيمن والكون جزر ومد..؟
ويرى ظله ظلمة حالكه
لا يرى غير مملكة هالكه

ج-غيمة فوق قرطبة:

ليس يعرف إن كان في فرح أو ترح
كلما ضاق بالكلمات انشرح
يتذكر لوركا وردة.. في أصيص الزمن
شاعرا.. نسجته القصيدة مثل الكفن

يتذكر موت الجسد
في ثقافتنا المستمدة من حمأ الحسد
وهناك له مجده الأبدي
" فخريطتنا جسمها كرب هائل.. إنما صوتها صوت عصفورة أوشكت أن تموت اختناقا "

د-غيمة فوق الإسكندرية:

" تواصل الإسكندرية خصامها مع شرطي الزمن "
راح يصغي طويلا إلى البحر يقرا تاريخ شطآنه
والشواطئ تقرأ سفر المياه
" غيب يزدرد الواقع
واقع يزدرد بعضه بعضا
في شوارع لا تزال تتلمذ على كتاب النجوم
في مدن لا تزال مأخوذة بخشخاش القدر.."
هكذا يرتقي أدونيس سلالم الريح... يمجد الذي لم يأت.. كافرا برنين الزبد..
هكذا يسحب الأيام من جحورها ويصب عليها وقود الخرافة ويحرقها... ثم يرميها في هاوية القصيدة..في حاوية الوقت..
يقول:" ليس لي ما أقصه على أحمد عرابي في ميدانه إلا الثورات العربية الكثيرة التي فتحت أفرانا لا توفر الخبز.."
كلاهما هو وعرابي يمتشقان النجوم وينهالان بها على جسد الظلام في النفوس وفي الرؤوس

يلوذ" بالمرأة الكتاب.. والأنوثة الكتابة.."
" للنجوم أحصنة في الغيم الأبيض الموشح بالرمادي.."
إنه دائما يرنو في الأعلى.. لذلك تتعب هامته وينسى لون الأرض.. كيف لا وهو مشغول بالمرأة والنجمة والغيمة.. و" كل ما لا يؤنث لا يعول عليه" كما قال صوفي منقرض..

أدونيس عندما يقرأ نصا عظيما يشعر أن هذا النص "ينتصر"عليه
ما أغنى وما أجمل هذه "الهزيمة"..ليت كل هزائمنا كانت هكذا جميلة..!
لذلك غاص في أسرارها النبوية واستخرج درها المكنون.. كيف لا.. وهو" الحاضن سنبلة الوقت ورأسه برج نار.."
ولكم وقف ضد نمط من الشعر يشوه سمعة الشعر.. إنه ذاك الذي يتصالح مع العالم.. لا مع نفسه..
" هل الشعر المتصالح مع العالم يقدر أن يرى العالم حقا.. ؟ "
وما يعذب الشاعر الذي يقرا كتاب الشمس أنه محروم من نورها.. إذ تظل حياته معتمة
لكن ..لا بد للشاعر المبتلى بمرارة غيره أن يتذوق حلاوة ذاته..
" والنبع الذي أغلق نوافذه يكاد يصبح شحاذا أعمى.."
ترى : هل سيعلن النهر الإضراب عن الجريان أو هل سينتحر ..؟

ها هو الآن يفتح نافذة الشعر
حتى الوصول المحال
ويسطر في دفتر العمر
ذكرى معطرة بأريج السؤال
ملء عينيه أسئلة.. تتخطى حدود القلق
ملء عينيه صمت وأغنية وحبق

أجل.. إني رأيت في فضاء هذا الكتاب
" ليس الماء وحده جوابا عن العطش"
رأيت الطبيعة كلها حاضرة.. بإنسانها وحيوانها وجمادها..بجحيمها ونعيمها
فأدونيس.. لا ينسى خبز الشعر برائحته الإلهية.. يرمي في كل تنور قصيدة ثم يفتش عن بديلها..
لم لا.. وهو حوذيها المدمن منذ خمسين قافية وتفعيلتين ..
عندما أقول:أدونيس... يهطل الشعر ويخضر القلب..ويدوزن العاشق ناقوسه برغم القحط الذي يلف العالم...

ه-غيمة فوق أغادير:

" هزي إليك يا سيدة الفضاء بجذع أغادير
مرة في الشارع رأيت نجما يتسكع في غابة الليل
أغرس في راسي قرون الأبجدية وأناطح الورق
إن شئت أن تعرف المرأة حقا تذوق جسدها.. الجسد عطر الروح.. الجسد الفاتحة والخاتمة.."
إن شئت أن ترتقي معارج الشعر فاستأذن أدونيس كي لا تتيه في متاهات التيه والعدم..إنه يتسكع كالنجم في ساحة الشعر "حاضنا سنبلة الوقت..ورأسه برج نار"

و- غيمة فوق قصابين:

يبعث الذكرى من مرقدها ففي قصابين قريته العبقة به.. بصرخته الأولى:
" فلاحون لا يخافون من الموت يخافون من الحياة.."
وهو يحاول أن يقرب بينهم وبين الحياة
قصابين لم تصب بلوثة العولمة.. تنشر تبغها ونعنعها وطيونها تحت شعاع الشمس القديمة ثم تلوذ بحضن الشاعر الآمن..الشاعر الذي فتح بوابات القصيدة وأعطاها حرية الحياة أو الموت..
ويجاهد بالشعر كي يغير المعادلة..أي يطرز وجوه فلاحيها بلون الحياة.. بعد أن يسلط عليها نور القصيدة..يتذكر عكاز الحرية المكسور..يمشي بلا قدمين.." سر إن اسطعت في الهواء رويدا.."

أدونيس..أيها الممكن/المستحيل
يا هبوب الرياح على القلب..
يا غيمة... في سواء السبيل
جرني من رمادي
أعد صوغ حلمي الجميل
لست وحدك في هذه المعركه
معك الموج.. والزبد
والزمان الذي يتدحرج.. والأبد

أنت تمشي كنور..
وغيرك أهل كهوف
وأهل حلك
آه..خذني معك

وأنا أكتب الآن هذا الكلام
تراني أسأت إليك..؟
لا عليك..
كن حكيما كدأبك ..
لا تترك الشعر حكرا عليك
خلني أقترف هذه الموبقه
بعد أن أرتوي من يديك
كم أعاني من العطش
 ولديك..
كل هذي المياه التي
تتموج في شفتيك...!




الكتاب يوزع مجانا مع مجلة دبي الثقافية عن شهر أكتوبر 2008

شكرا لسيف المري الذي يغدق.. عطاء تلو عطاء..
شكرا لناصر عراق.. الماء والهواء..

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 5
تصويتات: 2


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات