القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

شعر: لا لشيء لا لشيء

 
الخميس 04 ايلول 2008


عبدالرّحمن عفيف

أحبّنا أحبّنا
قالت لي التّلال
وقالت لي أمينة
أحبّني أحبّني

باب مدرسة
غامق في الحشائش الخضراء الفضيّة
في يوم عيد عبثيّ بصدقه
ويدي قاعدة قائمة تبحث عن العشب
عن المزراب تحته والجناح فوقه
ربّما صيف أخير يشاركني


درج ذكّرني بنفسي
وألم كبدي وأنا غضوب السّاعة
من قشّة كانت في الصّيف اللاهب
بدخانه الذي كان بطّيخا أحمر جدّا
وحسبت نفسي شهيدا
على شفة أمينة البيضاء
في المعسكر

حسبت الصّف والدرب والشبّاك والسّنونو
والعصفور الذي شعر بقدوم الخريف
ببرد خفيف في المنقار
وريّش أجنحته
اتّجاه واتّجاه
وقلب وقلب
الفقراء الذين غمروا أنفسهم
كالعصفور

فرشت المرأة المتزوّجة البضّة
ثياب أولادها على حبل نشر الغسيل
وفي هذا الشّارع مرّ عاشقان
أحدهما برجلين والآخر برفقة سنونو
والآخر برفقة شفة أمينة الحمراء
في مرآة صفراء مبتعدة
أو جدار وورقة عليها أسطر
وحل عامودا

بلد العشّاق يشربون القهوة المرّة
ويكتبون أنّ الرّبيع
وأنّ مدرسة مغلقة تنتظر رسائلهم
وتشبيهاتهم ولبلاب الأقرباء
وبقدونس السّاعة الرّابعة
وزعران على الدرّاجة
ينفث الدّخان والكلمات الإيحائيّة
زعران شاعر عن عصر
وبذور بطّيخ أحمر كشفة أمينة
بين الأبيض والأحمر
ووجهها بين عامودا والقامشلي
أو في قلبي دون
أن أنبس ببنت شفة
بنت تمشي على الشّارع

درج البيت الإسمنتي
الذي يعرف أنّني أكتب الشّعر
وأقف أمام الحمام
وأنّني أحبّ الدّبس وقلبي تحت الشّجرة
يقرأ الشّعر
وأمعائي تأكل التّراب
وأنّني دودة في خشب النّهر العميق
وربّما زجاجة مكسّرة
في أسفل يوم الجمعة

أنّني نظّارة تنظر إلى النّاس وحركات
البرد والرّيح والخريف بطعمه الحامض
وعشبه الأزرق والأصفر ينبت
على ثدي أمينة في منتزهات عامودا
حين نيأس كالشّعراء المصابين بالقحط
من لهيب الشّتاء وصقيع لهب الصّيف
ومن أنّنا لا نحبّ إلاّ نفسنا
طوال أعوام وأعوام
برفقة نهر الخنزير ونهر آخر
في القامشلي

أنّني طيّارة ورقيّة
تشكّل شفة أمينة في الخريف
وأنّها وحيدة مع النّاس
وتشعر بلا معنى الحياة
وأنّ الحياة هي شعر
والنقود بؤس وفساد وعبث
هكذا يفكّر شعراء عامودا
التي ضربتهم بغبارها
وأجيال جديدة من المجانين
ذهب غبار عامودا
والنفس الأخير لشاعر يموت
وشاعر يولد ويكتب
ثانية
المنتزهات والشّوارع وحدائق التعب
والمرطّبات المثلّجة
والعرق الريّان

أحبّنا أحبّنا
قالت لي التّلال
وقالت لي أمينة
أحبّني أحبّني
وانظر مليّا إليّ
وأحبّني وأحبّني
قال لي الخيط الواصل
بين فصلين
فأحببت أمينة ورأيت الخريف
والعشّاق على الشّوارع
وهم يدرسون أو يسجّلون
في الجامعة
يشربون القهوة
ويسهرون
إلى مطلع الصّباح
وأمينة لنا
لجميعنا
لكن ليس هنا
ليس هنا

وأنّني طيّارة ونظّارة
ودرّاجة وأنّني باحة
وتوتة وشرنقة وشرشفة
نظّفي بي أنفك وعينيك وشعرك
وانظري إليّ
لا للجنس
إنّما لأجل النظرة والصفّ
العاشر والابتسامة من ذلك العهد
وأنّني كتبت في آخر الصّيف
على الدفتر" أحبّك"
وأنّك صمتّ منذ ذلك الصّيف
ومنذ تلك الحنفيّة
التي سالت بالسّاعات
والسنين من مرارة حبّي

كيف أحبّ طيّارة ونظّارة
قالت أمينة
وقلتُ أحبّ طيّارة ونظّارة
وجدار المدرسة الأصفر الآن في الخريف
ولا يتركني الجدار
كأنّه جدار بيتي
وشجرة الصّنوبر والممرّ
وابتسامة أمينة تولد كلّ يوم
من جديد في الواقع
وكأنّ الواقع حلم من أحلام السقف
والمنارات البردانة
أوّل برد في أوّل برد
من أيلول
أمينة أمينة

هل اشتريت الفضّة للخاتم
والذّهب للمشي
والنّحاس والزّعتر لجامعة حلب
وللقامشلي هل تذكّرت الشعراء
والشحّاذين والشحّاطة الصّفراء
في زيارة المطاعم ومبنى البريد
والجامع
هل اشتريت اللبلاب لبيت الشّاعر
ابن عمّك في زابوقه المختفي في المزارع
وزيارة ابنة عمّة أمينة
وولد ابن العمّ وحفلة خطوبة ابن الخال
والشّال الذي نسيه ابن الخال
وتعليقات الخال دون مراعاة الفصول
هل تذكّرت أنّ الشّارع ينعطف
عن الجسر ويصبح شارعا آخر
وأنّ المضي يسارا
يعني المضي إلى البريّة
وهناك
هناك

هل بينك وبين الجدار الأصفر
معنى وبين ابتسامة أمينة معنى
وبين حياتك ومعاناتك
وحبّك لأمينة وحبّك لأمينة قبل
سنوات معنى وشربك للبيرة
ثمّ التحدّث مع صديق والتقدّم
لامتحانات الجامعة
والانتباه الشديد ألاّ تقع
إلا في الحبّ نفسه
لنفس البلد ونفس الخطوة العسيرة
ونفس الجسر
ونفس الجدار الأصفر بمعنى
أمينة

هل قطفت إلاّ جزء نبتة لا مسمّاة
ووضعته على كتاب حبّك الذي حملته
وعبرت به بين الخريف والحائط
ذهبت إلى الممرّ الذي يسكنه الخلاء
والصّمت
نظرت في السقف وأعمدة الخشب
في ورقة وجزء ورقة
في نفس وجزء نفس لك
وقطفت وتركت هكذا ما قطفت
هكذا هكذا
لا لشيء لا لشيء.


 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 1
تصويتات: 1


الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات