القسم الثقافي  |  القسم العربي  |  القسم الكوردي |  أرسل  مقال  |   راسلنا
 

تقارير خاصة | مقالات| حوارات | اصدارات جديدة | قراءة في كتاب | مسرح |  شعر | نقد أدبي | قصة | رياضة | الفنون الجميلة | الارشيف

 

twitter


البحث



Helbest

 

 
 

مقالات: سنوات الضّياع غيابُ الفكرة وحضور الزَّمن

 
الأثنين 04 اب 2008


  صبري رسـول

كثيراً ما تكون فكرة معينة ، أو شائعة عامة ، أو موقف عامة الناس من حدث ما ، أو تحليل ظاهرة اجتماعية أو علمية ، مقياساً لمعرفة المستوى الفكري و الثقافي لدى الناس.
عندنا في سوريا ليس هناك مراكز أبحاث تجري استطلاعات معينة لبيان رأي عامة الناس عن أمر سياسي أو ظاهرة اجتماعية ، أو عن عمل فني ، عكس ما هو قائم في الدول المتقدمة ، حيث مراكز الأبحاث تقوم باستبيانات على شرائح مختلفة ، وتخرج بنتائج حسابية، تنشرها ، وغالباً ما تكون تلك المراكز غير حكومية، ومستقلة، فتأتي النتائج بشكل موضوعي ودقيق.



وحتى لا نخرج من موضوعنا ، لا يمكن إطلاق أحكام دقيقة تتعلق برأي عامة الناس.
ولو أطلقنا الأحكام السابقة اعتباطياً على المسلسل التركي المدبلج ( سنوات الضياع) لابتعدنا عن الموضوعية بالقدر الذي استحوذ فيه على عقول الملايين في الدول العربية ، وأصبحت شخصياته المثل الأعلى للناس.
ففكرة المسلسل مبسطة للغاية، حيث مجموعة من العلاقات اليومية بين الناس تكوّنت بين شخصياته (علاقات عاطفية ، واجتماعية واقتصادية، تضارب المصالح، الصراع على الفوز بقلب امرأة ...إلخ) وتفتقر الفكرة إلى عقدة أساسية، وتطرح مجموعة من المشاكل الصغيرة تستجدّ على مراحل، وتتّجه نحو الحلّ، لتبدأ أخرى، هذا العيب الفني ، رغم امتداد الزمن للعلاقة بين يحيى ولميس، يمنح له ميزة تطويل الحلقات، ويستطيع الكاتب والمخرج جعله بلانهاية ولأجيال أخرى لشخصياته، وهذا يذكرنا بالمسلسل المكسيكي (كساندرا) الذي فرض نفسه على الشارع العربي لسنوات، وتاجرت شركات كثيرة باسمه( ماركة كساندرا ، ألبسة، حلويات، أحذية، وغير ذلك).
المسلسل التركي هو الآخر احتلّ حيّزاً كبيراً من حياة النّاس، ويجري الحديث عنه بين الكثيرين، وأخذت صور شخصياته مكان الصدارة على واجهات المحلات التجارية، وبدأ بعضهم يرتّب مواعيدهم بعد أو قبل(سنوات الضياع ،أو توأمه نور ومهند) وجاءت مزحات أخرى على شخصياته من قبيل: سأل أحدهم صديقه سبب امتناعه عن الزواج ، فيردّ لم ألتقِ بلميس أخرى كي أتزوجها، أو : يتقبّل أهل المتوفي استقبال المعزين بعد المسلسل، وقيل أنّ بعض الموظفين في دوائر النفوس في بعض الدول العربية يشترطون على تسجيل المواليد الجدد بتسمية شخصيات المسلسلين التركيين ، ووصل الأمر عند بعضهم إلى الطلاق بسبب إعجاب الرجل بلميس وإعجاب المرأة بيحيى أو مهند).
وما يتعلَّق بشخصيات المسلسل يمكن القول أن شخصية يحيى استلبت قلوب النساء، وطغت على كلّ شيء، وفيها تلتقي ملامحُ الرّجل الشّرقي (لون البشرة والعيون والأنف والشّعر، والشّوارب المهذّبة بسوادها) مع طبيعة الرّجل الغربي (إقامة علاقةِ حبٍّ مع حبيبته بدون عقد زواجٍ معلن، تصرّفه مع النّاس ، حرصه على محاربة التهريب والطرق غير المشروعة في كسب المال). شخصية يحيى صارت الحلم للنّساء، يبحثنَ عنها في كلّ مكان.
ومقابل يحيى ، تأتي شخصية لميس, بجمالها الشرقي الطاغي ( استدارة الوجه، والعيون الساحرة، واعتدال القوام الممزوج مع الرشاقة،بالتناغم مع طبيعة المرأة الغربية المتحررة من سيطرة المنزل وسطوة الأهل ، والمحبة للعمل، الحريصة على تطوير عملها. هذه الشخصية طبعت صورتُها في عيون (الرجل المتلقي) وتحولتْ إلى المثل (للمرأة المتلقية).
بهذه البساطة طغت أجواء المسلسل على الحياة اليومية، وفرضت نمطية المسلسل على طباعهم، وهذا يدلُّ على مدى افتقار الناس إلى الثقافة العامة في تحليل العمل الفني، وإلى الذهنية المستلبة، وفي الوقت نفسه يمكن اعتباره أداةً لقياس الذهنية الثقافية للمتلقي المنبهر به.
المسلسل لا يطرح شيئاً يشعل فكر الإنسان، ولا يضعه أمام مشكلةٍ ليقوم بطرح الحلول لها، وكون الإنسان يميل إلى الكسل بطبعه، والتصوير الحركي يشدّه أكثر من غيره ، لمّا له تأثير مباشر على فكره ، نجد أنّ جمالية الطبيعة وحضور الشخصية في المسلسل استحوذا على عقل المشاهد.
الإنسان لا يحتاج إلى توقّد ذهني عالٍ كي يتابع مسلسلاً درامياً من هذا النوع ، لكنه يحتاج إلى جهدٍ كبير في قراءة نصٍّ إبداعي أو فكري، هذا ما يفسّر مدى تعلّق البسطاء به، إضافة إلى جانبٍ آخر يتعلّق بنفسية الإنسان في مجتمعنا، وهو الخواء العاطفي الهائل الذي يعيشه، و الإحباط الشخصي الذي يرافقه في حياته اليومية، مقابل العاطفة الطاغية على شخصيات المسلسل، والحياة العصرية المرفّهة لها.
المسلسل كعملٍ فنيٍّ دراميٍّ يهدف إلى التسويق السياحي في تركيا كصناعة تحتاج إلى الترويج المبرمج، ويسعى إلى التعريف بحياة تركيا السياحية.
 متابعة المسلسل من قبل المواطن العربي هي هروبه من الواقع والضغط العالي على كاهله وكاهل أسرته . والدبلجة التي جاءت باللهجة الشامية والمعروف أن اللهجة الشامية قريبة إلى الدفء والعاطفة والغنج قد أعطت بعداً آخر للتشويق والتسويق الفني فلو  دبلج بلهجة أخرى أعتقد بأنه كان سيفتقر إلى احتلال هذا المنسوب الفني، فالرأي هو الجانب الأفضل من الشجاعة؛ وعرض هذين المسلسلين من قبل قنوات (MBC) في نفس الفترة له دلالات أخرى، منها إبراز الجانب العلماني للدولة التركية التي تحاول إظهارها في فترة رئاسة حزب العدالة والتنمية الإسلامية ، وكأن لسان حالهما يقولان إن تركيا قد حرقت زمن الخلافة وسيطرة الدين ،ووصلت إلى هذا الرقي من الحضارة؛ رغم أن الإسلام شكلي جداً في المسلسلين .

 
المقالات المنشورة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
 

تقييم المقال

المعدل: 0
تصويتات: 0

الرجاء تقييم هذا المقال:

ممتاز
جيد جدا
جيد
عادي
رديئ

خيارات